ما زالت العاصفة التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، باحتجاز عشرات الأمراء والوزراء، وجال الأعمال ليلة السبت الماضي، على خلفية اتهامهم بالفساد، يتردد صداها على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء.
وكانت لتلك القرارات صدى واسع واهتمام كبير لدى الصحف العالمية، فقد أكدت تقارير صحفية عالمية، أن ولي العهد الأمير الشاب، يتبنى برنامجاً طموحاً لزيادة الاستثمارات ببلاده، خاصة بعد إعلانه عن المشروع الاقتصادي الكبير «نيوم»، لافتة أن ذلك لن يتم بالصورة المناسبة إلا عن طريق اجتثاث الفساد المتوغل في أعماق البلاد من جذوره، والذي أكده نص الأمر الملكي بإيقاف المحتجزين.
وفي مقال نُشر للكاتب الأمريكي «توماس فريدمان»، بصحيفة “نيويورك تايمز” قال أنه في ظل التغيرات السريعة التي حدثت في العالم من تكنولوجيا وعولمة، فإن الأمير الشاب يرى أن يتم التحرك بسرعة كبيرة نحو الإصلاح، وذلك على عكس ما كان يراه أسلافه من أن التغيير يكون ببطيء وعلى مراحل متتالية، معتمدين على العوائد النفطية التي تغطي ذلك الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
وأضاف الكاتب، أن السعودية كانت بحاجة كبيرة لمثل هذا الشاب الطموح، والذي ألقى حجراً في المياه الراكدة، واتخذ طريقه نحو الإصلاح الاقتصادي، واجتثاث الفساد من جذوره، وإحداث تغيير جذري للعديد من القضايا التي ترسخت في عقيدة الملوك السعوديين على مدار سنوات طويلة، مثل؛ إعادة الإسلام الوسطي والأكثر اعتدالاً، وتقليص صلاحيات الشرطة الدينية(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وكذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة، وهذا أمر بالغ الخطورة، كما أنه يُجرئ المواطنين على الحكم على حكومته على أساس الأداء وليس على أساس التقوى، وعلى أسس مؤشرات الأداء الاقتصادية والسياسية الرئيسية، مثل البطالة والنمو الاقتصادي والإسكان والرعاية الصحية، وليس على أساس القرآن، وهذا قد يجعل له الكثير من الأعداء في آن واحد.
في الوقت الذي قد يظهر للأمير الشاب العديد من الأعداء في آن واحد، بسبب تلك القرارات الجريئة والمتلاحقة، فإن قناة «فوكس نيوز»، تكشف كلمة السر وراء جرأته وإقدامه على ذلك وهو “الرهان الديموغرافي”.
إذ تؤكد القناة، أن بن سلمان يراهن على دعم فئة الشباب، والتي تزيد على 70% من أعمار سكان المملكة، لافتة أن تلك الفئة الشبابية تبحث عن الترفيه والاستثمارات الجديدة بعيداً عن الجمود الفكري والأصولي المترسخ في ذاكرة المملكة على مدار عشرات السنين، وأن أكثر من 25 % من هؤلاء الشباب لا يجدون فرص للعمل، مما حدا بالأمير الشاب بالتفكير الجدي في إنشاء مشروعات واستثمارات جديدة تستوعب هؤلاء الشباب بعيداً عن القطاع النفطي.
وبالرغم من ذلك، فإن القناة تؤكد في تقريرها فيما يحمل تحذيراً لـ بن سلمان الطموح للتغيير، من تلك القرارات المفاجئة والمتلاحقة، من تكرار أخطر سيناريو والذي وقع عام 1979، عندما ضاق بالمتشددون الإسلامين ذرعاً بالأسرة المالكة، واتهموها بأنها غير إسلامية، فقاموا بالاستيلاء على المسجد الحرام، الأمر الذي كان له صدى خطير بالعالم الإسلامي، وتأثرت مواقف الأسرة المالكة تبعاً لذلك.
ولكن التقرير يؤكد في النهاية، أن الأمير الشاب يمتلك من الدهاء والذكاء ما يمكنه من استكمال مسيرته نحو التغيير، لافتاً أن مع الأيام القادمة سوف يرى العالم ما يمتلكه من قوة للحفاظ على مساره الثوري.