مازال الإهمال والتسيب هو عنوان المستشفيات الحكومية في مصر، وما زالت الضمائر غائبة والكوارث مستمرة وما زالت الرقابة في غفلة، والذي يدفع الثمن هو المريض الفقير الذي لا يقدر على تحمل مصاريف علاجه في أي من المستشفيات الخاصة وكأنه يعاقب لأنه خلق في هذه الدنيا فقيرا.
وكارثة اليوم هي من داخل مستشفي المنشاوي العام بمدينة طنطا، وهي لم تكن الكارثة الأولى بها، بل هي ضمن سلسلة من الكوارث وحالات الإهمال المستمرة بلا انقطاع، وكلما جاءنا وكيلا جديدا لوزارة الصحة بالغربية تأملنا خيرا ونظرنا فوجدنا أن الأمور لم تتغير وأنها دائما إلى الأسوأ.
فقد لبت اليوم «مصر فايف» استغاثات 5 من مرضى الفشل الكلوي والذين يتلقون جلسات الغسيل بمستشفى المنشاوي العام على نفقة الدولة، بعدما دفعوا ثمن إهمال المستشفى وأصيبوا جميعا بفيروس سي الخطير، وكان حوارنا معهم كالتالي:
بدء الحاج “عبد العزيز فرج القاضي” حديثه بحرقة ومرارة الظلم وخيبة الأمل قائلا: “حسبي الله ونعم الوكيل في مستشفى المنشاوي العام وفي كل مسئول، لقد بدأت غسيل الكلى منذ 3 سنوات بهذه المستشفي ضمن المرضي ” السالب” الأمنين من فيرس سي والمخصص لهم أجهزة وغرفة بعيدا عن المصابين بالفيرس، وبالطبع كلنا نعلم أن كل شهر تقم المستشفي بعمل التحاليل لنا للاطمئنان علينا، ومنذ أسبوعين أجريت لي تلك التحاليل التي جأت نتيجتها كالصاعقة لي ولأسرتي بأني أصبحت مصاب بفيروس سي، وتعجبنا جميعا من أين جاء هذا الفيروس، وما صدمني أكثر أنني علمت أن أربعة من المرضى الموجودين معي أصابهم هذا الفيروس اللعين بنفس الشهر، فتجمعنا وتحدثنا في هذا الأمر وأدركنا أن الإصابة والعدوة جأت من المستشفي التي نشاهد الإهمال بها ليلا ونهارا مرارا وتكرارا دون أي مراقبة، فكانت هذه التحاليل بعد فترة قصيرة جدا من نقل قسم الغسيل الكلوي من الطابق الأرضي إلي الطابق الثاني، فمن الممكن أن يكون حدث عملية خطاء وأنتقل أحد أجهزة ” الموجب ” المصابين بفيروس سي إلي غرفتنا عن طريق الخطأ وهذا ما أصابنا جميعا بهذا الفيروس، أم هي من إهمال الممرضات وعاملات النظافة الذين يتركون الدماء علي الأرض لأوقات طويلة قبل أن يتم تنظفيها، لا أعلم ولكن ما أعلمه ومتأكد منه أن هذا الفيروس جاءني عن طريق المستشفي، ولن أترك حقي أبدا وسأتقدم للسيد وزير الصحة بشكوى رسمية”.
بينما بدأت الحاجة “سناء مصطفي جابر 58 عام” حديثها قائلة: “إذا كانت أرواحنا رخيصة عند الحكومة فاروحنا غالية جدا عند أبنائنا وأهالينا ومن يحبوننا، فما حدث معي منذ أسبوع وإلى الآن لا يصدقه عقل، فأنا أغسل كلي منذ 3 سنوات بمستشفى المنشاوي العام، وعندما كشفوا لي عن نتيجة التحليل الشهرية يوم الخميس الماضي وأكدوا أنني أصبحت مصابة بفيروس سي كانت صدمة قاتلة لي، وعندما تم نقلي لأتلقى الغسيل في الغرفة التي نطلق عليها غرفة ” الموت” وهي الخاصة بغرفة المصابين بفيروس سي كان هو أصعب يوم مر عليا في حياتي كلها، وكانت حالتي النفسية صفر % وكذلك هو حال أسرتي التي خيم الحزن عليها، فنحن جميعا كنا نعلم أن ما يدخل في هذه الغرفة لا يعيش أكثر من عاما احد، وبعد تأكدي أن هذا الفيروس أصاب أربعة غيري في نفس التوقيت أدركت أن المسئول الأول عن ما حدث لنا هو إهمال المستشفي، فكم من مرة دخلت عليا الممرضة والجونت التي ترتدي عليه بعض من نقاط الدم، وفي يوم الخميس الماضي الذي كان أول يوم أدخل فيه هذه الغرفة المخيفة لأتلقى الغسيل، فقد فشل أكثر من 6 من الممرضات في تركيب الكلونة بذراعي منذ الصباح وحتي السابعة مساءا، وخرجت من المستشفي دون أن اغسل وذهبت إلي بيتي وأنا أتألم وطلعت لي المياه على الرئة وانتفخ وجهي، وهذا ما أثار أبني خالد الذي ذهب معي يوم السبت إلي المستشفي حتى عثر على الممرضة الوحيدة التي تقدر على تركيب الكلونة لي وتدعي “أميمة” وقمت بالغسيل وسط مصابي فيروس سي، وفي صباح أمس حيث موعد الغسلة الثانية، كان مسلسل غريب وجديد من مستشفي المنشاوي الذين أكدوا لي أن التحاليل التي أجروها لي كانت خطأ وأنني لست مصابة بفيروس سي، وتم نقلي مرة أخري إلي الغرفة الأمنة من الفيروس، وعندما طالب ابني محمد منهم أن يجري لي التحاليل بأحد المعامل الخاصة، فقالو له أننا لا نعتمد التحاليل الخارجية، وأن كنت لا ترغب في إجراء التحليل لها سنرسل معك ممرضة للذهاب إلى مستشفي طنطا الجامعي لعمل التحليل وبالفعل ذهب معنا الممرضة وتم إجراء التحليل التي ستظهر يوم الأحد وهي معنا، في موقف غريب جدا”.
ولم يختلف حديث الحاج “خطيب إبراهيم عويضة” الذي يتلقى العلاج بمستشفي المنشاوي منذ 12 عام، والحتجة “روحية” التي تتلقي العلاج منذ 3 سنوات عن الكلام السابق وعن الشعور بالظلم والمطالبة بالتحقيق فيما حدث وإعطائهم حقوقهم بمحاسبة المخطئين الذين تسببوا في إصابتهم بفيروس سي اللعين.
وهذه الوقائع تشير لنا إلي عدة تساؤلات ونبدئها من حديث الحاجة سناء، لما فرض عليها هي وأبنها أن تذهب معهم تلك الممرضة؟ وهل هم مقيدين ولا يحق لهم الذهاب في أي مكان ما دون أحد؟؟ ولما فرضت عليهم هذه الحراسة من هذه الممرضة؟، ولما مستشفى طنطا الجامعي بالتحديد؟؟، وكيف التلاعب بأعصاب المرضي بهذا الحال والاستهانة بمشاعرهم وكيف ينقلوها لغرفة المصابين بفيروس سي ثم تعود بعد أول غسلة؟؟ وكيف كانت التحاليل خاطئة؟؟ وكيف لخمس من مرضي الفشل الكلوي يتعرضا في أيام معدودة من نفس الشهر للإصابة بفيروس سي ،وأنا أوجه جميع هذه الأسئلة للسيد وزير الصحة مطالبه بالتحقيق فيما حدث والإجابة عليها.
فما حدث مع هؤلاء المرضي هي كارثة بكل المقاييس، هي مهزلة يجب أن نتصدى إليها بكل قوة، هي أهم من كل قضايا الفساد الموجودة بمصر، فهي مرتبطة بحياة مريض وسعادة أسرته، فقد كرم الله الإنسان ونفخ فيه من روحه، فكيف هان الإنسان وهانت الأرواح بهذا الشكل، فأن ظل الأمر في المستشفيات الحكومية بهذا الشكل، فيجب علينا أن تغيير مسمي المستشفيات الحكومية إلي “مستشفيات الموت”، وكيف نأمل يوما أن نحقق العدالة الاجتماعية والمواطن المصري يستهان به وهو مريض ويتم إهماله والقضاء عليه بشكل تدريجي حتي تذهب روحه إلي خالقها، ولكن سيسأل عن هذه الأرواح كل مسئول تكاسل وتغافل في عمله وأغمض عينه عن ما يحدث، من إهمال وتسيب.