الكثير من القرارات التى يتخذها الرجل الأول فى البنك المركزى، وصاحب القرار الجرئ بتعويم سعر صرف الجنيه مقابل العملات الجنبية، دون مراجعة مجلس البنوك حول مقترحات إتخذا مثل هذه القرارات المصيرية للشعب المصرى.
غياب التنسيق المركزى مع الحكومة والبرلمان.. وعدم مراعاة البعد الاجتماعى
ومع أن القرارات من الناحية الاقتصادية مجدية ولا يشوبها شائبة إلا أن البعد المالى غير النقدى والبعد الاجتماعى يظهر فيهما الكثير من الملاحظات خاصة في غياب سياسة حكومية واضعة لضبط الأسواق لتتناغم تحركات “المركزى” مع الحكومة، وربما كان السبب عدم جلوس الطرفين مع لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب لتنسيق التحركات بينهم.
أدى قلة المعروض من الدولار الأمريكى وتضارب التصريحات بين المسئولين في البنوك ومجتمع رجال الأعمال والمستوردين، الذين يعانون من شح السيولة النقدية من العملة الخضراء، على الرغم من إعلان طارق فايد وكيل محافظ البنك المركزى، في 21 نوفمبر الجارى، أن حجم النقد الأجنبى الذى دخل البنوك خلال الأسبوعين الأولين لتعويم الجنيه بلغت 3 مليارات دولار.
تهافت المودعين على إدخار الدولارات في البنوك.. وعزوف المستثمرين عن الاقتراض لزيادة الفائدة
ومع تهافت المودعين على إدخار الدولارات في البنوك بعد أن كانت متداولة في السوق السوداء ويتم تخزينها في المنازل أصبحت فى حوذة البنوك، إلا طلبات المستوردين لاستيراد السلع اللازمة للسوق المحلى لازالت لا تلبي بالسرعة المطلوبة أو بالكميات المستهدفة، بالإضافة لتسابق ومضاربة البنوك في تحديد السعر يوميًا لجذب التحويلات والمودعين ، إلا أن مثل هذه التحركات تعد لدى المستثمرين مرحلة خطر وليس رخاء ما يدفعهم لتجميد أعمالهم لعدم قدرتهم على تحديد تكلفة المشروع أو الجدوى الاقتصادية منه، وسيظل هذا الأمر حتى مرور شهرين بعد قرار طارق عامر محافظ البنك المركزى بتعويم الجنيه وفقًا للخبراء والمتخصصين في الصرافة.
الاحتياطات النقدية لدي البنك المركزى قدرت بنحو 19.041 مليار دولار بنهاية أكتوبر..
وهدأت الأسبوع الماضى موجة صعود الدولار إذ وصل إلى 18.25 في بعض التعاملات وانخفض لأقل من 17.20 جنيه، لتسجل أمس السبت متوسط أسعار تداول 17.42 جنيه لكل دولار، وذلك تأثرًا بحصول مصر على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى وقيمتها 2.75 مليار دولار، كما أن الاحتياطات النقدية لدي البنك المركزى قدرت بنحو 19.041 مليار دولار بنهاية أكتوبر انخفاضًا عن نهاية سبتمبر الماضي التى كانت 19.592 مليار دولار وفقًا لتقارير البنك المركزى.
وأدى زيادة الفائدة على الاقتراض لعزوف المستثمرين على الاقتراض حتى يستقر السوق إذ رفع البنك المركزي في 17 مارس الماضى، أسعار الفائدة على عائد الإيداع والإقراض بواقع 150 نقطة أساس (1.5%)، ليصل إلى 10.75% و11.75% على التوالى، وهو ما يعاكس كل النظريات الاقتصادية التى تؤكد أن انخفاض الفائدة تزيد من معدلات الاقتراض وتزيد المنافسة بين البنوك ما ينعش قروض الشركات والأفراد على حد سواء وهو الأساس لأى عمل بنك.
فاتورة الاستيراد سنويًا 85 مليار سنويًا
وجدير بالذكر أن إجمالى واردات مصر من المواد الخام والسلع المكتملة يبلغ سنويًا قرابة 85 مليار دولار. وعادت شركات الصرافة لتزدهر مرة اخرى وتحقق أرباح مع أن أسعار الشراء منخفضة عن أسعار البنوك إلا أن الحاجز النفسي الذى ترسخ عبر سنوات أفقد البعض الثقة فى القطاع المصرفى الرسمى أو أصابتهم حالة من التعود فى التعامل مع الصرافة وتجار السوق السوداء أحيانًا اخرى.
في يوليو الماضى وصلت الوادئع بالجهاز المصرفى إلى 2 تريليون جنيه، وبعد رفع الفائدة على الإيداع في شهادات قناة السويس من 12 إلى 15.5% بينما الفائدة على الشهادات البلاتينية وهى أكبر وعاء إدخارى فى القطاع المصرفى تتراوح الفائدة فيها ما بين 15 إلى 20% لمدة عام ونصف، أما الفائدة في صندوق توفير البريد تبلغ 10.25%.
ووسط تزايد القروض الحكومية من البنوك والتى وصلت إلى 35 مليار جنيه شهريًا حتى وصل إجمالى الدين المحلى 2.6 تريليون جنيه بنهاية شهر يونيو الماضى بحسب تقرير البنك المركزى الذى أقر أيضًا بأن عبء خدمة الدين المحلى للدولة سجل 500 مليار جنيه سنويًا، إذ يتأثر إجمالى الدين المحلى بأثر رجعى بنسبة الفائدة إرتفاعًا أو إنخفاضًا.
وتتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية بسبب توجه بعض الأفراد من إيقاف بعض المشروعات التجارية أو سحب أموالهم من البورصة لإيداعها فى البنوك على شكل شهادات وودائع للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع ما يؤدى لإنخفاض السيولة المتداولة فى السوق ويزيد من عملية الركود التضخمى الناتج عن زيادة الأسعار وقلة السيولة النقدية ما ينعكس على عجز الموازنة العامة للدولة الذى يتأثر بعدة عوامل أبرزها فاتورة دعم السلع والخدمات والديون الخارجية والداخلية للدولة، وينعك كل ذلك على إلتزام الحكومة بدفع فوائد مرتفعة على أذون الخزانة العامة والسندات بالجنيه المصرى، ما قد يؤدى لسيناريو سيئ وهو زيادة التضخم لعدم وجود غطاء نقدى من الدولار يوازى العملة التى يتم طباعتها وهو ما أعلنت عنه مصادر مطلعة فى البنك المركزى بالفعل إذ كشفت يوم السبت 19 نوفمبر الجارى، أن البنك بصدد البدء فى طباعة 300 مليون ورقة مالية فئة نصف جنيه وطرحها فى الأسواق خلال نفس الشهر.