سيطرت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، يوم الجمعة الماضية 15 يوليو، على اهتمام وسائل الإعلام في كل مكان في العالم، المرئي والمسموع والمقروء منها، حيث تفاعلت هذه الوسائل لتغطية هذا الحدث الكبير.
وما إن انتهت هذه الحركة الانقلابية، وبدأت الأمور تتضح جليا بأنها محاولة فاشلة، وبدأت التحليلات وعرض وجهات النظر، حول الأسباب التي أفشلت هذا الانقلاب، بل أن بعض الإعلاميين ذهب بهم الظن إلى أنها محاولة مدبرة من رئيس الجمهورية التركية “رجب طيب أردوغان” نفسه، وذلك لإحكام السيطرة والتخلص من أعدائه داخل تركيا وخارجها.
ولعل الناظر إلى التاريخ التركي، والمطلع على أحداث المشهد الانقلابي الذي وقع مساء يوم الجمعة، يستطيع أن يحصر الأسباب التي أدت إلى فشل هذا الانقلاب، والتي سنعرض لكم أهمها على حد علمنا، لأنه من المعروف في تاريخ الدول، والثورات، والحروب، والانقلابات العسكرية، أنه ربما تظهر حقائق وأسباب ودوافع وأسرار كثيرة بعد فترة من وقوع الحدث، ربما تصل إلى عشرات السنين.
على الشعب التركي النزول إلى الشوارع واحتلال المطارات.
لعل هذه الكلمات التي وجهها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، في أول لقاء تليفزيوني بعد الانقلاب، هي كلمة السر في إفشال هذا التحرك العسكري، للاستيلاء على مقاليد الحكم، والإطاحة بالحكومة والرئيس المنتخب من الشعب التركي.
وبالفعل استجابت جموع الشعب التركي إلى دعوة رئيسه، في النزول إلى الشوارع للتصدي لهذه المحاولة الانقلابية العسكرية، التي أتت لتقضي على الاستحقاقات الانتخابية التي خرج فيها الشعب التركي بكامل إرادته، لاختيار البرلمان التركي، والذي على أساسه تشكلت الحكومة، واختيار رئيس جمهورية عن طريق انتخابات نزيهة لم تصيبها أي شبه تزوير.
ونجح الشعب التركي في الاختبار الصعب الذي وضع فيه، ليحاصر الانقلابيين في الشوارع والميادين العامة، بل وصل الأمر إلى أن الشعب التركي، قام بالقبض على جنود الجيش من فوق آلياتهم العسكرية، حفاظا على الشرعية الدستورية لتركيا.
الحركة الانقلابية لم تكن مدعومة من كل قطاعات الجيش.
ومن حسن حظ الدولة والشعب التركي، أن هذه الحركة الانقلابية لم تكن مدعومة من كل قطاعات الجيش، حيث أن الكثير من قيادات الجيش أعلنت رفضها لهذا الانقلاب، عبر بيانات وتصريحات صحفية، الأمر الذي أربك من قاموا بالانقلاب، حيث أنهم شعروا بأنهم فئة قليلة وغير مدعومة من باقي الجيش.
وقوف جهاز الشرطة التركي بجانب الشرعية.
ولعل وقوف جهاز الشرطة التركي ضد هذا الانقلاب، كان من أهم الأسباب التي أفشلته، حيث أن الشرطة التركية لديها ترسانة أسلحة على أعلى مستوى، واستطاعت التصدي للانقلابيين، وخاصة في العاصمتين “أنقرة وإسطنبول”، وقامت بتحرير مبنى التليفزيون الرسمي من قبضة الجنود الانقلابيين، واعتقال الكثير منهم من الشوارع والمؤسسات التي كانوا يحتلونها، بالإضافة إلى الدَفعة المعنوية التي أعطتها الشرطة للشعب التركي، في الاستمرار في التظاهر والتواجد في الشوارع.
الحشود العسكرية المشاركة في الانقلاب كانت ضعيفة.
شهدت تركيا قبل هذه المحاولة الانقلابية 4 انقلابات عسكرية، شارك فيها عشرات الآلاف من من الجيش التركي، ولكن هذه المرة كانت المشاركة ضعيفة بالنسبة للمرات السابقة، الأمر الذي عَجل بانهيار الجانب الانقلابي سريعا، أمام الحشود الجماهيرية في الشارع بالإضافة إلى الشرطة والقوات الخاصة.
إعلان المعارضة التركية رفضها للانقلاب وتأيدها للديمقراطية.
أثبتت المعارضة التركية أنها جديرة بالاحترام، إذ أن الأحزاب التركية المعارضة للحزب الحاكم، أعلنت رفضها لهذه المحاولة الانقلابية من اللحظة الأولى، كما أنها أعلنت عن تمسكها بالمسار الديمقراطي، وأعلنوا أنهم يرفضون بشكل قاطع دخول الجيش في الحياه السياسية.
السرعة في الحسم ضد الانقلابيين جعلته لا يحظى بتأييد دولي.
فوجئ الانقلابيين برد فعل سريع ومباغت من الشعب التركي والشرطة، والرافضين من الجيش لما حدث، مما أحدث ارتباكا داخل صفوفهم، وبدأت البيانات تصدر خلال ساعات بأن الانقلاب فشل، مما جعله لا يحظى بتأييد خارجي، بالرغم من أن هناك دول كثيرة ومنظمات دولية كانت تنتظر نجاح الانقلاب لتعلن تأيدها له، والدليل على ذلك تأخر إدانة هذه الحركة الانقلابية، وتأخر دعم الحكومة المنتخبة في تركيا، من بعض الدول والمنظمات الدولية، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوربية، والاتحاد الأوروبي، وبالفعل لم يتحركوا إلا عندما تكشفت الأمور عن فشل الانقلاب.
12 عام من حكم العدالة والتنمية جعلت تركيا رقم 14 اقتصاديا.
شعور الشعب التركي بالتقدم والازدهار اقتصاديا، جعلهم يتمسكون بحزب العدالة والتنمية، حيث أن هذا الحزب يحكم تركيا منذ أكثر من 12 عام، تقدمت فيهما تركيا إلى مصاف الدول المتقدمة، واحتلت المركز الرابع عشر من حيث القوة الاقتصادية، مما جعل الشعب والشرطة والمعارضة وبعض شرفاء الجيش لا يقبلون بهذا الانقلاب.
صمود “أردوغان” ومن معه في مواجهة هذا الانقلاب.
“رجب طيب أردوغان” رئيس وزراء تركيا الأسبق لفترتين، والرئيس الحالي للجمهورية التركية، يُرجع البعض بأن سياسته الخارجية من ضمن الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه المحاولة الانقلابية، حيث أنه لا يعترف بحكومات بعض الدول، بالإضافة إلى مواقفه الكثيرة في مساندة الشعب الفلسطيني، وخاصة أهل غزة المحاصرة، ومعاداته للكيان الصهيوني.
صمود “أردوغان” ومن معه، وعدم هروبهم خارج تركيا، أعطى دفعة معنوية لكل رافضي الانقلاب، وجعلهم يقفون صفا واحدا في مواجهته، وتوالت تصريحاته ولقاءاته التليفزيونية هو والمسؤولين الأتراك، ورئيس البرلمان وأعضائه، مما عجل بفشل الانقلاب، لأنهم شعروا أن “أردوغان” ومن معه صامدون في مواجهتهم ولا يخشونهم.
ولا يبقى في النهاية إلا كلمة واحدة: أن الشعوب هي التي تصنع مقدراتها بإذنٍ من الله عز وجل، فإن الشعب الذي يرضى بالمهانة وانكسار إرادته، لا يستحق أن يعيش حياة كريمة حرة، أما الشعوب الحرة والتي ترفض سطو أي أحد على هذه الحرية، فهي التي تستحق أن تعيش حياة كريمة حرة، فتحية إلى الشعب التركي الحر.
انت مش خايف و انت بتكتب المقال ده