الأسرة وإن كانت أخص المجتمعات فهي أصلها وأقرب للانسان من غيرها ، وتنتظم من زوجين متآلفين ، يأنس كل منهما إلى الآخر .
والإزدواج الأدبي هو ما يكون ملحوظا فيه إلى الحكمة الإلهية التي هي طلب العفة والتكثير ، وما وراء ذلك من قضاء الجسمية فخارج عن مقصد الآداب وإن كان ذلك هو الباعث الطبيعي ، ومن دواعي الإزدواج طلب مصافاة النفوس والأنس والتعاون وغير ذلك من الصفات الفضلى التي تؤذن بصفاء العيش وابتهاج النفس ولا يصدر ذلك إلا عن ثابت محبة بين الزوجين لذاتهما .
ثم إن المحبة للذات إما أن تكون لجمال الخلق أو كمال الخلق فإن كانت لجمال الخلق والظاهر التي وراءها الأخلاق الذميمة فقل أن تصل بالإنسان إلى غاية محمودة بخلاف التي تنبعث عن كمال الأخلاق وحسن السجايا ولو كان دونها دمامة الخلق .
واهم الخصال الحميدة بينهما هي الثقة ببعضهما في جميع الأحوال ومتى نفذت الثقة انحلت عرى النسبة بينهما وعاشا مفترقين أهواء مجتمعين أجساما ولولا ما شرع الله من الطلاق لتفاقم الأمر وعز الصبر ، لذلك كان اختيار الزوجين لبعضهما في الأمم السالفة لا سيما الأمم العربية من أهم الأمور فكان العربي يقطع المراحل لاستوصاف خطيبته ، ويقصد الخبير بشأنها والمجرب الذي عجم عود الأيام فيلقي عليه من وصفها فيأخذ في سرد شمائلها من جمال الظاهر وكمال الباطن وحسن السجايا التي يجب أن تكون عليها النساء .
الزوج والزوجة سيان في الحقوق ومتساويان في المعاملة فكما أن سيد العائلة لكونه أقوى حماسا واشد بأسا وأوسع تصرفا ، كذلك هي رئيسة أموره لتدبيرها المنزل ونظرها في مصالحه وجلبها لراحته ، فاسترقاقه إياها أو صرفها في خدمته الخارجية عن حقوقه ضد للعدل مناف للآداب حطة في الانسانية خدش لناموس الحياة ، وكما أنها تقتسمه الحزن والسرور تقتسمه الخيرات المنزلية فلا حق له في اختصاصه يأطايبها بها نفسه ولو رضيت الزوجة .
وتقوى النسبة بين الزوج والزوجة إذا صارا أبوين لاتحادهما على أمر واحد وهو التربية ، وفي هذه المرتبة تتم العائلة وتزيد الحقوق فتكون ثلاثة حقوق ، حقوق الأبناء على الآباء وحقوق الآباء على الأبناء وحقوق الأبناء على بعضها .
فأما حقوق الأبناء فهو الاعتناء بالتربية الجسمية والعقلية وطبع محاسن الأخلاق وجميل الصفات وتعليمهم التعاليم الدينية مع تمرينهم على العمل بها وأخذهم بالرفق والتودد لا بالقسوة والتخوف ، والتسوية بين الاشقاء وبعث المحبة بينهم وتعويدهم على اقتسام الحزن والسرور بعضهم البعض وهديهم الى ما يصلح معاشهم من بعدهم والمحافظة على ذلك كله وعدم التفريط فيه .
وأما حقوق الآباء على الأبناء فهي الطاعة وخفض جناح التواضع والاحترام والتعظيم من قدرهم والثقة بهم والإحسان في المعاملة اليهم ومساعدتهم والشكر على أنعمهم والخشية لا الخوف منهم .
واما حقوق الأبناء على بعضهم فالحب والاخترام والشفقة والعدل في المعاملة وصفاء السريرة والمساعدة وغير ذلك وما يكون منهم منافيا للآداب والمعاملة كظلم أحدهم الآخر أو الاضرار به فموكول لعقاب الآباء متبعين العدل والانصاف مع الاحتراس والحيلة كيلا يظن به من يستحق العقاب منهم أنه أدنى درجة من أشقائه أو من له الحق أن له الفضيلة عليه .
وبالجملة إن تربية الابناء سواء الذكور منهم والاناث وتعليمهم العلوم والآداب من أول واجب على كل أمة تريد صلاحها وتقدمها وانخلاعها من جلباب البساطة وانقاذ افرادها من مهالك الجهل والتوحش والانحياز بهم الى جانب التمدين والحضارة حتى تكمل النسبة بين الرجل والمرأة ويقوى تعارفهما وتتأكد ألفتهما وثقتهما ويكون مجموعهما تمثالا للخير وصورة للآداب يبعثانها في أبنائهم وتكون العائلة مثالا للمجتمعات الخارجية ونموذجا للوطن ومثلا أعلى للأمة التي هو منها ، فالعائلة بالآباء خيرها بخيرهم وشرها بشرهم ، وكما تكون الآباء تنشأ الابناء فلا يستخرج من الحديد الذهب ولا يجنى من الشوك العنب .
اهداء خاص لمحمد المصري