في مرة وأنا قاعد بآكل، ومشغل التليفزيون جنبي يعمل دوشة، كأنه راديو زي عادتي معاه، سمعت واحد بيتكلم في التليفزيون كده، من اللي كلهم شبه بعض دول اللي بيلبسوا بدل شكلها يخوف، وبيقول بعزم ما فيه: الشعب المصري عمره ما عرف العنصرية..
من كتر فزعي وارتباكي من مدى فداحة الكذبة اللي قالها، فضلت كلمة “العنصرية” تتردد في وداني بصدى.. العنصرية.. العنصرية.. العنصرية!
كان الوقت ده بعد أحد الأحداث الطائفية، اللي تم خلالها إحراق إحدى الكنائس.. وطبعا الضيف أبو بدلة قرر إنه ينتع كلمتين؛ يحللوا الفلوس اللي قبضها قبل ما يطلع على الهوا، بس المرة دي وسعت منه أوي.
وافتكرت لحظتها، وأنا بأمضغ الأكل ببطء، نظرة سواق الميكروباص ليا، لما بيلاقيني عاوز أركب قدام في أي عربية.. نظرة فيها مزيج من الاحتقار والتخوُّف والكراهية.. ليه؟
عشان أنا تخين..
“قدام خلصان خلاص يا أستاذ”.. أيوه هي الجملة دي، بصوته.. دايما بيقولها بقرف، ويدور وشه الناحية التانية، وبعدها بلحظات، مجرد لحظات والله، بتلاقيه بيركب ناس جنبه عادي..
تجربة العنصرية اللي عشتها في مصر، وما زلت بأعيشها، هي إني تخين، وطبعا ده أرحم من حالات تانية كتير.. بس فعلاً الموضوع صعب، أصعب مما تتخيل، إلا لو كنت تخين زيي.. عارف يعني إيه معظم المجتمع يعاملك على إنك صاحب عاهة؟
طبعا ده لا يُقارن باللي بيحصل لذوي البشرة السمراء في مصر! العنصرية ضد لون البشرة الغامق، بمختلف درجاته، في مصر، يفوق أي مكان أعتقد..
بنت سمرا بتحاول تركب ميكروباص.. كانت العربية واقفة قدام مستشفى جمال عبد الناصر، في إسكندرية.. المهم، مكنش فيه غير كرسي واحد، والبنت قربت كده وبصت عـ المكان، وبعدين بعدت، واضح إنها مش عاوزه تركب في الكرسي ده..
ما كان من سواق الميكروباص، إلا إنه قال بصوت عالي، وهو طالع بالعربية: حتى المحروقة مرضتش تركب! آه يا زمن!
فضلت أبص حواليا، مستني أي رد فعل من الركاب.. مفيش.. ولا كأن حاجة اتقالت..
الفكرة اللي فضلت مسيطرة عليا، إننا بلد متخلف وفاشل؛ لأن السواق المنحط ده هيبات وسط ولاده ومراته النهاردة، مش في قسم الشرطة، زي ما كان هيحصل، لو كان قال كده في أي بلد بتحترم الإنسانية والقانون..
طيب جربت تقرا إعلانات الوظايف، اللي بيبقي مطلوب فيها بنات بس؟ بيبقوا ناسيين يكتبوا “مطلوب فتاة – حسنة المظهر – مستعدة لممارسة الجنس مع مديرها”.. اكتبوها يا جماعة، اكتبوها وخلي عندكم شجاعة ولو مرة واحدة..
البنات بيتعرضوا لكم رهيب من العنصرية طبعا، بس فكرة حصر البنت في الجانب الجنسي، والحسي بشكل عام، إحنا محترفين فيها بشكل يفوق الوصف يعني.
طيب والمسيحيين؟ لا دي مش هقدر أكتب عنها في بوست بصراحة يعني! دي محتاجة بتاع 600 كلمة كده نتكلم عن جزء من اللي بيشوفوه.. بس فاكر نظرة الطلاب المسلمين، والمدرسين كمان، للطلاب المسيحيين، في إبتدائي، وهما راجعين فصولهم بعد حصة الدين بتاعتهم؟ فاكر النظرات دي؟ أهو هو ده التمييز العنصري بعينه!
إحنا مش عنصريين طبعا.. “عنصريين” دي يعني بتوصف حالات فردية، متفرقة.. إحنا مجتمع عنصري، بالمعنى الحرفي للكلمة.