إنك لن تستطيع أن تكون أدبيا أو كاتبا مجيدا طلق اللسان سلس البيان ، إلا إذا كنت واسع الاطلاع على أساليب اللغة ، متضلعا من فنونها ، فتختار من جزل الألفاظ ورائع العبارات ما تملك به المخاطب سمعه وعلى القارئ فوائده ولبه ، فتستميل القلوب والنفوس بسحر لفظك ، وتسترق العاصي وتستدني القاصي بآيات وعظك ، فتنبه الغافل ، وتهز الخامل ، إلى مراقي السؤدد والكمال .
تشرف بالمطالعة على ما أودع في بطون الكتب من ثمرات العقول والأفكار ، ونتائج العلوم والأنظار ، وديعة السلف إلى الخلف ، وميراث الآخرين من الأولين ، بها تستعرض أمام عينيك بدائع المخلوقات وخواص الكائنات ، وما تجشمت الأخطار ، ولا ترامت بك القيافى والقفاز فتقيس الأشباه والنظائر بعضها ببعض فيصبح منك الاستنتاج ويشحذ فكرك ويكمل عقلك ويصيب حكمك .
واعتبر ذلك بحال طالبين أحدهما أمعن في الاطلاع على خبايا الكتب ، وتحلى بما فيها من علم وأدب ، والآخر حجب نفسه عن أسرار الحكمة ، تجد الأول ارتفع به فضله إلى أعلى عليين ، والآخر هوى به نقصه إلى أسفل سافلين ، وحرم ميزة الإنسان ، وكأنه ما كان .