في مقال بعنوان القدس إسرائيلية، على موقع مصراوي، تناول الكاتب الصحفي “مجدي الجلاد”، الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية، والتي عكسته ردود الأفعال العربية والإسلامية على مدار الثلاثة أسابيع الماضية، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.
حيث قال الجلاد، أنه بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، لم يقم العرب إلا بتبادل البوستات الغاضبة على صفحات التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن العرب لديهم ذاكرة ضعيفة، فبعد قرار ترامب كانت هناك بعض الاحتجاجات والمظاهرات تنديداً بذلك القرار، ولكن مع مرور الوقت بدأت حدة الغضب تتلاشى رويداً رويداً، وهذا ما يعلمه ترامب ونتياهو جيداً.
مرت علينا ثلاثة “أَخْمِسة”- من الخميس- وثلاث “جُمَع”- من الجمعة- منذ أعلن “ترامب” القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. تبادلنا ملايين “البوستات” والرسائل: “هلا بالخميس” مع “أجساد عاري”.. ثم “جمعة مباركة” مع “سبحة ودقن”.. في ثقافتنا: الخميس للشيطان.. والجمعة لـ”الله”..!
.. وماذا بعد؟!
يقول الناس إن ذاكرة العرب “مخرومة”.. ترامب يعرف ذلك، ونتنياهو يحفظه.. نهتف.. نصرخ.. نكرر الأغاني الوطنية.. ونسبُّ الأعداء بالأم والأب والأجداد.. وبعد ثلاثة “هلا بالخميس” و”جمعة مباركة” نهدأ.. نبرد.. نفتر.. ونعود إلى سُباتنا العميق.. فلماذا لا يأخذون القدس بأقصاها و”براقها”..؟!
.. أنت غاضب مني الآن .. ولكنك لست غاضبًا على “القدس”.. فقد هدأت العاصفة.. واشترى “ترامب” بناية جاهزة لنقل سفارة بلاده لـ “القدس”.. هو يريدها “إسرائيلية” بالأمر الواقع.. ونحن نراها كذلك، رغم غضبنا.. نخوة العرب عمرها الافتراضي عدة أيام.. ولا يتبقى لنا سوى الإشارة لـ”العار” كل عام بـ”حدث في مثل هذا اليوم”..!
القدس إسرائيلية..!
.. بالقوة وليس بالحق.. فالحق دون قوة حصان أعرج.. فلا هو يركض.. ولا هو يكفُّ عن صهيل المرض والعجز..!
القدس إسرائيلية..!
.. واغضب كما شئت.. فغضبك لا شيء.. حقك لا شيء.. لأنك تعيش فى أمة الـ”لا شيء”..!
.. حكام العرب وحكوماتهم لا شيء، لأنهم لا يرون المواطن شيئًا.. وإلا لمنحوه حرية وديمقراطية وإنسانية هو يستحقها.. هم أبناء الآلهة، وكراسيُّهم أغلى من الأرض والعرض.. قصورهم أقدس من المسجد الأقصى..!
القدس إسرائيلية..!
لأن إسرائيل صنعت من نفسها في 70 عامًا “كل شيء”.. لديها كل إسرائيلي “شيء” يستحق الكرامة والعيش بحرية على أرض لا يملكها.. زعماؤها يخدمون قضية ظالمة بروح الحق.. حقهم مزيف، ولكن القوة تجعله واقعًا واضحًا في “عين الشمس”..!
بالتعليم.. القدس إسرائيلية..!
العلم لديك “لا شيء”.. تولد بعقل يرنو إلى المعرفة.. فيحشرونك فى مدارس الجهل.. ألم تسأل نفسك يومًا: “لماذا يترك العرب التعليم “أميًّا”؟!.. الإجابة ببساطة: لأن التعليم الحقيقي يغرس داخلك المعرفة والحقوق، فتنبت مواطنًا لا يقبل الاستبداد، ولا يرضى عن الديمقراطية بديلًا.. ابق كذلك: لا متعلم.. ولا جاهل.. فتمشي مع “القطيع” دون مقاومة.. ولا حتى إزعاج..!
بالشفافية.. القدس إسرائيلية..!
العرب فاسدون- إلا من رحم ربي- ثروات الشعوب فوق الأرض وتحتها حق أصيل للحكام والملوك والأمراء.. وإن تبقى فتات، فللناس.. الفساد لدينا هو القانون.. وفي إسرائيل مثل الغرب.. الفساد حالات معدودات.. ومن حق الدولة أن تستجوب وتحاسب وتحاكم “أجعص” مسئول، إن هو تجاوز صلاحياته “المحددة”، فلماذا لا ننظر إلى أنفسنا في المرآة، ونقول: نحن فاسدون، كبارًا وصغارًا.. فكيف سنحرر القدس.. وهل بمقدورنا “إخافة” أحد حين نغضب..!
بالعلم والإنتاج.. القدس إسرائيلية..!
نحن لا نقدِّم للبشرية إسهامًا حقيقيًّا.. لا في العلوم الطبيعية ولا حتى الاجتماعية.. علماؤنا بلا إنجاز، لأن “البحث العلمى” لا تهتم به الحكومات، سواء في الإنفاق أم الرعاية.. ومبدعونا إما أخرسهم “القمع”، وإما دجنتهم “الدنانير”.. فلماذا يحرص علينا العالم؟! لماذا يعمل حسابًا لشعوب تستهلك فقط؟! حتى ثرواتها الطبيعية تصدِّرها للغرب “خامًا” من باطن الأرض، لتعود إليها سلعًا بمليارات الدولارات..!
بالاقتصاد: القدس إسرائيلية.. بالسياسة: القدس إسرائيلية.. بالديمقراطية: القدس إسرائيلية.. بالمؤسسات والعلم والتعليم والحرية: القدس إسرائيلية.. والأهم.. بالإنسان: القدس إسرائيلية..!
.. وإذا أردنا أن تكون القدس عربية.. فعلينا أن ننتزعها بالقوة.. والقوة في العصر الحديث ليست بالجيوش والصواريخ والدبابات.. القوة بالإنسان.. وما دام “الحكام العرب” يفضلون “الكرسى” على “الإنسان”.. فلن تعود القدس.. وسنفقد حتمًا أراضي أخرى..!.. و”هلا بالخميس”.. و”جمعة مباركة”..!.
وجديراً بالذكر، أن العديد من المظاهرات والاحتجاجات، قد خرجت في الكثير من العواصم العربية تنديداً بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، واتخاذها عاصمة لإسرائيل.
برغم إني في أشد الاستغراب من كونه صادر عن مجدي الجلاد، لكن لابد من الاعتراف بجودة المقال وعمق فكرته. فعلاً الانتصار يبدأ من بناء الإنسان، وبناء الإنسان يبدأ من حريته ورفاهيته، إنسان متعلم سليم البنية معافى الجسد شبعان سعيد، ولن يتحقق بناء الإنسان في مجتمعاتنا طالما استمرينا رهينة لصراع فكي الكماشة بين وطنية الشعارات وتدين الدروشة. حين كانت أوروبا محكومة بصراع الملوك مع الكنيسة تارةً وتحالفهم معها تارةً أخرى كانت أوروبا في أضعف عصورها فيما يسمى بالعصور المظلمة. واليوم بعد تحرر مجتمعات أوروبا من الكنيسة ووضع أنظمة واضحة يسير عليها الحكام، أصبحت أوروبا قوية. الكنيسة ما زالت موجودة في أوروبا لم يتم إلغاؤها، والحكام موجودون أيضاً، لكن الحرية هي المسيطرة، ومع الحرية يأتي التفكير والإبداع والتقدم. هذه هي الوصفة، موجودة أمامنا بكل خطواتها، لكننا عاجزون عن تشربها.