تحت عنوان «”ضربات قاضية وطلعات سرية “.. كيف وصل الروس إلى العمق الإسرائيلي في حرب أكتوبر؟»، أثار تقرير نشره موقع «روسيا اليوم» عن حرب أكتوبر 1973، والتي خاضها الجيش المصري لاستعادة أرضه من المغتصب الإسرائيلي جدلاً واسعاً.
حيث قال التقرير أن طيارين الاتحاد السوفيتي آنذاك كان لهم الفضل الكبير في الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وأن الطيارين الروس كانوا ولا زالوا من أفضل الطيارين في العالم.
كما أضاف التقرير أن الطيارين والمهندسين الروس كان لهم دور كبير في إصلاح الطائرات الروسية التي كان يمتلكها الجيش المصري إبان حرب أكتوبر، والتي كان لها بالغ الأثر في انتصاره في تلك الحرب.
وتابع التقرير أن من بين الطيارين الروس، والذين كان لهم دور عظيم في تطوير سلاح الجو المصري خاصة الطائرات الروسية ميج 25 ، الطيارين الشابين فيكتور سابجين و فيكتور شاروف، والذين انتقلا إلى القاهرة في أوائل عام 1971، لتطوير الطائرات المصرية.
وكان لذلك التقرير ردود أفعال متباينة من النشطاء، حيث ذهب البعض إلى أن الروس يحاولون التقليل من الانتصار الكبير الذي حققه الجيش المصري في حرب 73، وينسبون لأنفسهم ذلك النصر، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه بالفعل كان هناك تعاون عسكري بين الجانب المصري والروسي قبل حرب أكتوبر وقبل طرد خبراء الاتحاد السوفيتي عام 1972.
سمع العديد من المصريين عن مساهمة ومساعدة الاتحاد السوفيتي لمصر خلال حرب أكتوبر بالطائرات والمعدات العسكرية ويعلم الجميع أن الطيارين الروس كانوا ولازالوا من أفضل الطيارين.
ولكن يجب توجيه الإهتمام إلى المهندسين والمستشارين السوفييت الذين ساعدوا المصريين فى إصلاح الطائرات الروسية التى استوردتها من روسيا من طراز ميغ – 21 و ميغ – 25 خلال حرب أكتوبر عام 1973.
وظهرت مجموعة من المستشارين السوفييت الذين ساهموا بشكل كبير في انتصار مصر في حرب أكتوبر وهم فيكتور شاروف وفيكتور سابجين، حيث يعد فيكتور شاروف، ملازم شاب خريج مدرسة الطيران العسكرية متخصص في تقنيات الطائرات انضم إلى الخدمة في فوج الطيران “47 أوجراب . 36795” في مطار شاتالوفو السوفيتي.
وانتقل شاروف إلى القاهرة في أوائل ربيع عام 1972 مع مجموعة من الطيارين وموظفي الصيانة في قاعدة جوية غرب القاهرة حيث كان هناك يتواجد طائرات من طراز ميغ – 25.
وكانت تقع القاعدة الجوية للقوات الجوية المصرية في الغرب، وتتواجد بها مقاتلات ميغ – 25، التي كانت يحرسها الجنود الروس وعاش شاروف مع مجموعته بالقرب من مطار في الثكنات، والطيارين عاشوا في فندق في القاهرة.
وفي شهر مايو عام 1972، شهدت القاعدة الجوية غرب القاهرة عرض للطائرات السوفيتية الجديدة سو – 17 و ميغ – 25 بحضور وزير الدفاع السوفيتي جريتشكو، و قائد سلاح الجو السوفيتى كوتاخوف، بحضور الرئيس المصري أنور السادات وكان لهذا العرض تأثير مذهل ففي اليوم التالي، زينت الصفحات الأولى من معظم الصحف المصرية بعناوين “معجزة جديدة روسية في سماء القاهرة”.
ويعد فيكتور سابجين من مواليد 28 فبراير عام 1949 والتحق بالمدرسة الفنية للطيران، حيث تخرج مع مرتبة الشرف وفي الفترة من سبتمبر 1971 إلى سبتمبر 1992، خدم في فوج الطيران “47 أوجراب . 36795”
وكان المهندسين الروس ضمن الدفعه الثانية من الطيارين المدربين السوفيت الذين وصلوا إلى مصر في مارس 1971، وكانت تشمل المجموعة طيارين على مستوي عال جدا ومعهم أحدث نسخه من طائرات الميغ 25 والذي ترأسهم الميجور جنرال بيافيسكي والذي يحمل 19 نصرا جويا خلال الحرب العالميه الثانية.
كانت مهام تلك الطائرات المتقدمة جدا على درجة عالية من السرية عن أى مهام أخرى، لأنها ستتضمن عمليات استطلاع داخل إسرائيل ذاتها وليس سيناء فقط، وكانت قوة الإستطلاع تتكون من طائرتين من نوع MIG 25R وطائرتين – MIG 25 RB
وتم وصول طائرات الميغ – 25 عن طريق طائرات أنطونوف – 12 تحمل العلامات المصرية، وكانت من المفترض أن يكون وصولها سرا لكنه ظهر مقال في جريدة الأهرام في 18 ديسمبر 1971 يعلن وصول طائرات سوفيتية جديدة مع صورة للميغ 25 أثناء طيرانها، وقد عبر رئيس أركان القوات الجوية السوفيتية عن غضبه من تصرف المصريين وسأل كبير الخبراء السوفيت عن سبب نشر تلك الصورة ورد كبير الخبراء بافيسكي بأن المصريين عرضوا صورة للميغ 25 من طراز بي وهي صورة ترجع إلى العرض الجوي في دوموديفو عام 1967 وأن الطائرات التي وصلت مصر من نوع مختلف تماما .
وبعد وصول الطائرات إلى مصر تم وضعها ضمن السرب 63 المستقل (سرب سوفيتي) وتمركزت في غرب القاهرة وحظى هذا السرب الخاص بخصوصية، خاصه وأن تلك الطائرة وهؤلاء الطيارين كانوا من نخبه الطيارين السوفيت الذين يطيرون بأفضل الطائرات السوفيتية، وتدرب الطيارين على مسارهم داخل إسرائيل بمسار بديل مشابه لما سيقومنا به، واستخدموا ميدان معركه العلمين ومخلفات الحرب هناك للتصوير الإختباري.
وتم تشغيل المحركات من داخل الدشم والإنطلاق في أزواج حتى إذا سقطت إحدى الطائرات يستطيع الطيار الآخر إرشاد فريق الانقاذ عن مكان قفز الطيار مما يعزز نجاح المهمة وبالطبع كان الصمت اللاسلكي واجبا في مثل تلك الطلعات.
وكان يتم التنسيق بين اقلاع تلك الطائرات وطائرات تتواجد في مطار بني سويف من طراز “ميغ – 21” للحماية والتدخل للإشتباك إذا دعت الضرورة، ونظرا للتقدم الإسرائيلي في التنصت اللاسلكي والتليفوني في التشويش على الإتصالات بين تلك الطائرات، وايضا لرصد الاتصالات المتبادله ومعرفة أن هناك طلعه استطلاع يتم التجهيز لها.
وبحلول أبريل 1971 استطاع المهندسين الوصول بسرعة الطائرة إلى ثلاث أضعاف سرعة الصوت في ثماني دقائق فقط مما أعطى الطيارين السوفيت الثقة في طائراتهم وبدأوا في الطيران فوق إسرائيل نفسها .
وكان المتبع أن تقلع طائرتين “ميغ – 25” في حماية تشكيل ميغ – 21، وبعدها تكتسب الميغ – 25 سرعة وارتفاع عال فوق البحر المتوسط حتى تصل إلى ارتفاع 25 كيلومتر وسرعه 2.5 ماخ فوق سيناء أو إسرائيل طبقا للمهمة، وكان هذا الإرتفاع مستحيل الوصول إليه بواسطه أية طائرة إسرائيلية أو أمريكية مقاتلة في هذا الوقت.
وقد لاحظ الطيارين السوفيت محاولة الإسرائيلين الوصول إليهم عبر صواريخ هوك والتي يصل إرتفاعها إلى 12.2 كيلومتر فقط، وتم رصد محاولات الفانتوم الإقتراب منهم بلا جدوى مما زادهم ثقه في أنفسهم، حيث تابع المصريين ذلك على شاشات الرادار بسعادة كبيرة، فقد رصدوا محاولات الطائرات الإسرائيلية الإقلاع خلف تلك الطائرات وفشلهم في الوصول إليها.
وتم مكافأه الطيارين بايفسكي والكولونيل بيزافيك والكولونيل بورهوف بلقب بطل الاتحاد السوفيتي، وكان يفترض على بايفسكي أن يظل في مصر لمده شهرين للحصول على صور الإستطلاع، لكن تقارير المخابرات السوفيتية أفادت بوصول منظومة صواريخ “نايك هركوليز” الصاروخية والتي تستطيع إسقاط طائرات فوق ارتفاع 20 كيلومتر مما أدى إلى توقف طلعات الاستطلاع للطائرات ميغ – 25.
وفي نهاية فترة خدمته في مصر سلم بايفسكي القيادة إلي نائبه الكولونيل شودين، حيث ظل السرب 63 المستقل في مصر لمدة عام واحد وعاد إلى الاتحاد السوفيتي في ابريل 72 تاركا خلفه أربع طائرات ميغ – 25 تمركزت في اليمن لكي يطير عليها طيارين سوفيت.
ووفقا لأحد التقارير فإن الجنرال يدرونوف طار بنفسه في مهمتين للإستطلاع فوق لإسرائيل باستخدام تلك الطائرات لكنها كانت تأتي من خارج مصر ويتم إعادة تزويدها بالوقود في مصر، وكان يتم عمل تلك الطلعات على ارتفاع 25 إلى 30 كيلومتر فوق إسرائيل، حيث تعود الطائرات إلي قاعدة مصرية غير التي أقلعت منها للتزود بالوقود ومنها إلي اليمن حيث تمركزت، وهناك طيارين آخرين قاموا بمهام استطلاع بناء على أوامر مباشرة من موسكو يتم تسليمها في السفارة السوفيتية في القاهرة.
أصدرت الأوامر للخبراء السوفيت بمغادرة مصر عام 1972، لكن المرحلة التالية لدور الخبراء السوفيت في مصر بدأت في أكتوبر 1973، عندما اتضح أن الحرب لا تسير في صالح العرب، بدأ السوفيت جسرا جويا مماثل للجسر الأمريكي لإسرائيل، وتمت كل طلعات الجسر الجوي ليلا وفي صمت لاسلكي تام، وطارت الطائرات إلى المنطقه وهي تحمل النجمه الحمراء “رمز الاتحاد السوفيتي”، وشملت مئات الأطنان من الأسلحة والذخيرة وقطع غيار الطائرات، وتم إرسال كبير المستشارين السوفيت سريعا إلي مصر لمعاونة القوات الجويه، وتمركز أفراد الخبراء في السفارة السوفيتية تحت قياده الجنرال دفورنفيتش وشملت 220 رجل.