قبل عام “النكسة” كما لقبها المصريون – وقبل حرب 1967، قرر طيار إسرائيلي يدعى “أيبي ناتان” الانطلاق بطائرته الخاصة من العاصمة الإسرائيلية “تل أبيب” متجهًا إلى القاهرة؛ للقاء الرئيس المصري “جمال عبدالناصر”، ليعرض عليه مبادرة غير رسمية للسلام.
لكنه واجهت ناتان صعوبات أولها أنه اتهم بالجنون وحب الظهور، حيث كان يجمع توقيعات من الإسرائيليين لدعم خطوته، ومبادرته لسلام لكنه فشل فيها، ورغم ذلك لم يتراجع عن قراراته التي أخذها، ففي يوم 28 فبراير 1966، استقل طائرته الخاصة التي أطلق عليها اسم “السلام 1″، وتوجه بها إلى القاهرة، لكنه هبط مطار مدينة بورسعيد لعدم كفاية الوقود في الطائرة.
رغم وصول ناتان بسلام إلى أرض مصر، لكن كتبت الصحافة الإسرائيلية، في اليوم التالي من مغادرته، أنه لقي حتفه في مصر، ولم يعلم ناتان حينها بما كتب عنه في بلده، وأبلغه محافظ بورسعيد حينها بالخبر المنشور، وأخبره بضرورة العودة إلى إسرائيل في الحال، لكن ناتان ماطل، حتى يلتقى بـ”عبدالناصر”؛ ليعرض عليه مبادرته للسلام.
اقتنع القليل من الإسرائليين حينها بأن الشاب “ناتان” لن يتراجع عن فكرته المجنونة التي طالما راودته وسعى أن يحققها، وحينها حرك ناتان الطائرة متجهاً إلى مصر، وكان الشاب قد كتب في مذكراته: “يجب أن أعترف أنني بشكل عام طيار حذر، لا يعرض نفسه لخطر المغامرة، لكن رغبتي في عدم الظهور على شاشات الرادارات، حددت في هذه المرة أسلوب الطيران”، في محاولة منه الهروب من رادارات إسرائيل ومغادرة البلاد، دون أن يسقطوا طائرته لعلمهم بما ينتوي أن يفعل، وبالفعل غادر، ولم تكتشف السلطات ما فعل إلا بعد المغادرة، فنشرت الصحف الأمريكية فور مغادرته وعلمهم بذلك، أن الطائرة أسقطت ولم تخرج من إسرائيل، لثقتهم أنه لم يغادر البلاد، ليسما أن ناتان كان قد اتجه بطائرته بزاوية حادة تجاه البحر، في طيران بمستوى منخفض حتى لا تكشفه شاشات الرادارات، كاد أن يلامس أسطح المنازل في تل أبيب خلال طيرانه، وخلال ساعة ونصف كان قد وصل إلى مدينة بورسعيد، حيث أجبرته طائرته إلى الهبوط بسبب نفاذ الوقود بها.
نجح “ناتان” بعد مرور دقائق من التوتر بين من كانوا بالمطار، بأن يكسر حدة أن من يقف أمامهم إسرائيلي وجاء قادما من تل أبيب إلى بورسعيد، وأكد لهم إصراره على لقاء عبدالناصر، وبعد مشاورات مع السلطات في القاهرة، قررت سلطات المطار تزويد طائرة ناتان بالوقود، والسماح له بالعودة إلى إسرائيل، خاصة أن محافظ بورسعيد كانت لديه معلومات وأبلغ بها ناتان بأن الصحف الإسرائيلية كانت قد نشرت خبر سقوط طائرته ومصرعه، وأخبره أن السلطات المصرية تسمح له بالمغادرة إلى بلاده.
وأخبر محافظ بورسعيد حينها الشاب الإسرائيلي أنه إذا ما سأل أحد عنه، فستنكر السلطات أنك كنت هنا؛ للحيلولة دون مثولك أمام القضاء في إسرائيل، لكنه شعر باليأس، وأصبح كل ما يشغل باله هو قضاء ليلة في أرض مصر، وحينها حاول المماطلة وإضاعة الوقت بحيل مختلفة بعد فشله الذريع في تحقيق حلمه، ومقابلة عبدالناصر.
رغم الحرب الدائرة إلا أن المصريين استقبلوا الشاب الإسرائيلي أحسن استقبال، من محافظ إلى من كانوا بالمطار، وخاصة بعدما طلب ناتان من المحافظ أن يصطحبه في جولة إلى في شوارع مصر، وبالفعل خرج وصافحه المصريون واستقبلوه بالهدايا رغم أنه إسرائيلين وخاصة البائعين مرحبين به أنه أول إسرائيلي يزور مصر، إلا أن استقباله في إسرائيل بعد عودته عمتها أيضا أثار الفرحة، والذي كان حديث كل شخص في إسرائيل، واستقبلته الجماهير استقبال الأسير العائد من الحرب، حيث تجاوزا الآلاف، وغنوا فرحين بقدومه سالماً، وصب أصدقاؤه “الشمبانيا” على رأسه، وصافحوه وعانقوه.
جدير بالذكر، أن سيارة من الشرطة كانت في استقبال “ناتان”، أمام مطار تل أبيب، التي اصطحبته إلى التحقيق، لكن أطلق المحققون سراحه بكفالة بعد التحقيق الذي لم يستمر طويلا.
https://www.youtube.com/watch?v=1En_vjGCQyU