كشف موقع «الأناضول» عن أهم البنود التي تناولها التحالف المعلن بين الجانب الأمريكي والمصري، والذي انحصر في إصرار الولايات المتحدة الأمريكية بانضمام حليف عربي لـ ناتو شرق أوسطي بقيادة واشنطن من أجل مواجهة الخطرين الأكبر في المنطقة وهما الإرهاب وإيران، والوساطة المصرية لحل القضية الفلسطينية، وذلك مقابل أن يُقدم لمصر دعم عسكري واقتصادي، والتغاضي عن الانتهاكات الصارخة في ملف حقوق الإنسان بمصر.
وتم الإعلان عن هذا التحالف بعد الجلسة التي جمعت الرئيس الأمريكي بنظيره المصري الإثنين الماضي، خلال أول زيارة لرئيس مصري للولايات المتحدة منذ عهد مبارك، وبعد الفتور الذي أصاب علاقات البلدين بسبب الانتقادات التي وجهها الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما للجانب المصري على الانتهاكات الخاصة بملف حقوق الإنسان.
خروج من عدم اليقين
لقاء “السيسي- ترامب”، وفق اللواء الأردني المتقاعد، قاصد محمود، نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية الأسبق هو “إعادة للعلاقات المصرية الأمريكية التي دخلت في فترة عدم اليقين والوضوح من الجانب الأمريكي بعد ثورة يناير (كانون ثان2011)، بسبب أولويات أمريكية بعيدة عن مصر، ومحاولتها البعد لاستشكاف مآلات الوضع في مصر لاسيما بعد 2013”.وأكد قاصد، وهو محلل استراتيجي عسكري ضمن فريق الأزمات العربي في مركز دراسات الشرق الأوسط (غير حكومي أردني) أن “العودة المصرية الأمريكية في إطار عملية منافع متبادلة”.
هذه العملية التبادلية، وفق حديث الأكاديمي المصري، طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة ، تتمثل في “التزامات مصرية تجاه واشنطن والعكس وإجراءات متعلقة بشكل التحالف المصري الأمريكي الذي شهد تدشينه حفاوة وكيمياء متبادلة”.في المقابل، يرى الكاتب الصحفي المصري المتخصص في الشؤون الأمريكية والمقيم في واشنطن، محمد المنشاوي، حديث السيسي- ترامب “كان تقليديا ومجاملات بدون الغوص في أي تفاصيل مع تأكيدهما لدعم بعضهما البعض”.
وكان ترامب، قال في تصريحات للصحفيين الإثنين، إن بلاده ستكون “حليفا رائعا” لمصر”، مخاطبا السيسي: “سنحارب معًا الإرهاب والتهديدات الأخرى، سنعمل على بناء وتجديد جيشينا على أعلى مستوى بتوفير الطائرات والسفن”.
فيما استجاب السيسي، لـ”ترامب” خلال تصريحات مماثلة، قائلا: “بكل قوة ووضوح ستجدني أنا ومصر بجانبك في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه”.
وأضاف: “ستجدني وبقوة أيضا داعما وبشدة كل الجهود التي ستبذل لقضية القرن (في إشارة إلى القضية الفلسطينية) صفقة القرن”.
وخرج بيان للرئاسة المصرية وتصريحات لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، يؤكدان أن مصر أعلنت استعدادها لوساطة في الملف الفلسطيني، واعتزام واشنطن تفعيل الشراكة الاستراتيجية في المجال العسكري ومكافحة الارهاب والدعم الاقتصادي والعسكري.
ومنذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، تقدم الولايات المتحدة إلى مصر نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية.2 مقابل 2
في مقابل قبول إقامة تحالف عربي أمريكي في الشرق الأوسط على غرار حلف الناتو، ووساطة مصرية في القضية الفلسطينية، ستكون هناك لمصر زيادة الدعم العسكري والاقتصادي وانزواء الانتقادات الأمريكية للملف الحقوقي المصري، وفق الخبراء المعنيين.
يرى طارق فهمي، أن هناك “دورا مصريا محوريا في ترتيبات أمنية كاملة في الإقليم فيما يمكن أن تسميه حلف ناتو عربي أو ترتييات شرق أوسطية، وسيترتب لمشاركة مصر التزامات مباشرة (لم يحددها)”.
ويتفق معه، المحلل الاستراتيجي والعسكري الأردني قاصد محمود، قائلا ” نحن بصدد تحالف عربي أمريكي، الجديد فيه انضمام إسرائيل علنا، لإظهارها كقوة عظمى بالمنطقة، وفي الظاهر مكافحة إيران والإرهاب، والفاعلون في الأمر دول واضحة هي مصر والأردن والسعودية والإمارات”.
وأكد قاصد أن “إدارة ترامب تريد عقد صفقة تاريخية استراتيجية في الإقليم وهذه الدول معها، ويصب في هذا الاتجاه التحالف العربي الإسلامي الذي دشنته السعودية خلال أزمة اليمن، والأرجح أن معظم الدول المشاركة فيه ستكون في هذا التحالف الجديد بشكل أو بآخر ، سواء منضمين أو مؤيدين”.
وفي 29 ديسمبر/ كانون أول 2016، انضمت سلطنة عمان للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتكون الدولة 41 للتحالف الذي تم الإعلان عنه، في 15 ديسمبر/ كانون أول 2015، بقيادة السعودية.
وحول رد الفعل الإيراني المتوقع، تابع قاصد، “المشروع الإيراني إما يسلم نفسه دون أذى أو يذهب للمواجهة”، متوقعا أن إيران ستذهب لتفاهمات لتكون جزءا من التحالف والوقوف مرحليا في مربع أقل من طموحاتها.
فيما يصف أستاذ النظم السياسية المصري المقيم خارج البلاد، سيف عبد الفتاح، هذا الدور المصري، بأنه سيكون كـ”تكليفات ضمن استراتيجة أمريكية تلاقت مصر معها، وإن كانت تلك التكليفات تسمي في دبلوماسية الدول الكبرى تحالفات”.
وحول توجيه ضربة لإيران عبر ذلك التحالف المحتمل، أضاف :”أشك أن تقوم واشنطن بفتح جبهات بضرب إيران ولكن مؤشرات الخطاب الأمريكي، مع سياسة التحجيم، لا تكوين عدواة”.
وعلى مسافة متقاربة، يذكر محمد المنشاوي وهو مدير أيضا لمكتب قناة العربي (خاصة) بواشنطن، أن “كل ما يذكر حتى اليوم عن تحالفات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط هي خطوط عريضة لرغبات أمريكية لمواجهة خطري الإرهاب وامتداد النفوذ الإيراني بالمنطقة”.
ومؤخرا، تواتر حديث إعلامي وصحفي، ورسمي عن تحالف عربي أمريكي، لاسيما في فبراير/ شباط الماضي، وماذكرته منتصف ذلك الشهر صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بالقول إن تحالفا عربيا تسعى واشنطن لتأسيسه عبر سؤالها لبعثات دبلوماسية عربية لديها سيكون على غرار حلف شمال الأطلنطي “ناتو”، ويضم مبدئيا مصر، والسعودية والإمارات والأردن، وبعضوية لإسرائيل قد تقتصر على الدعم بمعلومات استخباراتية.
وفي 28 فبراير/ شباط الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان “لقد حان الوقت لتشكيل تحالف رسمي بشكل علني” لمواجهة إيران على نحو حلف الناتو، مشيرا إلى إمكانية تقديم تل أبيب للخليج وسائل لمكافحة الإرهاب عبر “القدرات الاستخباراتية، والإمكانيات العسكرية”، وفق ما نقله موقع التلفزيون الألماني “دويتشه فيله”.
وفي 30 مارس/آذار الماضي، طالب الدبلوماسي الأمريكي السابق، مارتن أنديك خلال شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حول إيران بتفعيل “استراتيجية أمنية إقليمية مع العرب”
وقال :”حان الوقت لاختبار استعداد الحلفاء للانضمام معاً في أطار ترتيب أمني إقليمي سيسمح لنا جميعاً بتنسيق جهودنا ضد إيران بفاعلية أكبر”، وفق ما تناقلته وسائل إعلام عربية.
وساطة مصرية بين فلسطين وإسرائيل
في هذا الصدد، قال طارق فهمي إن “الرئيس السيسي وصف القضية الفلسطينية بأنها صفقة القرن وهذا يعني أنها تتم في إطار توزيع الأدوار، بصرف النظر عما سيدفعه كل طرف (لم يحدده)”.
وأضاف “مصر ستكون حاضرة حضورا مباشرا في هذه الصفقة لاعتبارات كثيرة هي أنها أول من عقد اتفاق سلام مع إسرائيل. وأن عندها مصداقية في التحرك ومعها الأردن وغيرها، وهذا أول ملف ستتم ترجمته من كلام إلي واقع وسيطرح معه تساؤلات عما ستدفعه مصر في هذه الصفقة بجانب الأطراف سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية”.
يلتقط الخيط المحلل الاستراتيجي، قاصد محمود، فيقول عن تلك الوساطة إنها “صفقة متكاملة بالتوازي مع إقامة التحالف العربي أو الناتو، وستكون صفقة سياسية عامة” يطرحها ترامب على الطاولة ويوافق عليها العرب والإسرائيليون، كما تحدث عنها نتنياهو في واشنطن.
وفي منتصف فبراير/ شباط الماضي، قال نتنياهو، في مؤتمر صحفي مع ترامب: “أعتقد أن الفرصة الكبيرة من أجل التوصل للسلام تنبع من نهجٍ إقليمي يقوم على إشراك شركائنا العرب الجدد (دون تسمية)”، وعلى إثره، سار ترامب قائلا: “إنه شيء مختلف للغاية، لم يناقش من قبل، وهو في الواقع اتفاق أكثر أهمية (..) سيشمل الكثير من الدول، وسيغطي منطقة شاسعة”.
وأكد سيف عبد الفتاح، أن “مصر جاهزة للقيام بدور وساطة بين الكيان الصهيوني التي تجمعه علاقات جيدة مع القاهرة، وفلسطين”.
ومصر لها دور يعود لنحو 21 عاما قام به الرئيس الأسبق حسني مبارك عبر مبادرات لتحريك السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وعاد السيسي ذو العلاقة الجيدة مع إسرائيل بطرح مماثل في مايو/أيار الماضي، قبل أن أن يقوم في يوليو/تموز 2016، وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة غير مسبوقة لإسرائيل منذ بداية العقد الجاري.
شراكة زيادة الدعم
يعتبر طارق فهمي، أن المحور الثالث الذي ينظر له بعد لقاء السيسي- ترامب هو “ملف الشراكة المصرية الأمريكية وهذا سيتطلب الأخذ بعين الاعتبار فيه ليس فقط استئناف مناورات النجم الساطع (مناورات عسكرية بين مصر وواشنطن توقفت من 2013) ولا المطالبة بمعونات عسكرية واقتصادية أكبر فحسب”.
واستكمل: “يجب المطالبة بحوار استراتيجي أيضا يشمل كل القضايا لاسيما الجديدة فيها المتعلقة بدور مصر الجديد في الأقليم ليس فقط في القضية الفلسطيينة أو إطفاء الحرائق في الشرق الأوسط، أو في إطار فك وترتيب التحالفات في المنطقة مع دور مصري مباشر”.
وتابع “لابد أن تدفع أمريكا ثمن التحالف مع مصر، ولابد أن تلتزم بحدود الشراكة و زيادة المساعدة الأمريكية ولانتحدث عن معونة اقتصادية فقط ولكن نتكلم عن فرص استثمار مباشرة واتفاقيات اقتصادية، والالتزام بتسليح كامل يقدم في مصر في إطار التزامات مباشرة”.
وأضاف: “لا يمكن أن تتدخل مصر في أي ترتيبات سياسية أمنية تؤثر علي علاقاتها بدول الأقليم، بمعني أنه لا يجب أن يكون هناك أي تداعيات سلبية لالتزامات مصر العربية لاسيما التسوية الفلسطينية أو القبول بتنازلات”
مع الدعم إنزواء حقوقي
في زواية أخرى تمس الشراكة والمستقبل، قال الأكاديمي المصري، سيف عبد الفتاح: ” ملف حقوق الانسان سيخفت صوته وسيكون حديثه في الكواليس لا العلن، بجانب الدعم العسكري والاقتصادي من واشنطن للقاهرة، وهو ما يجعل سلطة السيسي اكثر تجاوبا مع واشنطن واكثر اطمئنانا لها”.
وأكد أن ترامب لا يرغب ولا يهتم بهذا الملف الحقوقي وما يهمه هو استكمال أدوات خطته في المنطقة عبر مصر.
أما الكاتب محمد المنشاوي، قال: “نعم اختفى الحديث عن قضايا الحريات وحقوق الإنسان، فترامب شخصيا لا يكترث بها”.
وعن المساعدات، أضاف: “لم يشر ترامب أمس إلى ما يطمئن الجانب المصري، فلا هو قال أن المساعدات ستستمر، أو أنها ستزيد وينطبق ذلك على المساعدات العسكرية والاقتصادية”.
وكان الكاتب الأمريكي إيشان ثارور أكد في تحليل صحفي نشرته صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “سلطوي الشرق الأوسط المفضل لدى ترامب يأتي إلى واشنطن”، أن موقف واشنطن في ظل السياسة الجديدة أصبح يصاغ بشكل معاملات (مالية) وقليل من الخدمات الشفاهية (أي مجرد كلام) عن حقوق الإنسان وفرض القانون”.
وكان أحد مسؤولي البيت الأبيض قال الجمعة الماضي إن طرح ترامب بخصوص حقوق الإنسان مع السيسي لن يكون علنياً” وإنما في الغرف المغلقة.