أجمع عدد من الخبراء وأساتذة الاقتصاد على أن أحد أهم أسباب مشكلة مصر الاقتصادية، تتمثل في حجم الاستيراد الكبير للسلع الأساسية والكمالية و”الاستفزازية”، وميل ميزان المدفوعات وبقوة نحو الاستيراد على حساب التصدير، ففي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يوضح أن واردات مصر من خمس دول وهي: “الصين والولايات المتحدة وألمانيا وتركيا والإمارات” بلغت قيمتها نحو 90 مليار دولار أمريكي، خلال الفترة من يناير وحتى يونيو في عام 2015.
من جانبه أكد أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحات خاصة لـ”مصر فايف”، أن حجم الاستيراد في مصر زاد إلى 100 مليار دولار خلال العام الماضي 2016، وهو ما يؤثر على الاقتصاد المصري بصورة كبيرة.
ويرى الاقتصاديون أن الحل يكمن في تعديل ميزان المدفوعات، والتقليل من الاستيراد ودعم الصناعت الوطنية والتصدير، مع نشر الأمن لجذب المستثمرين والسياحة.
ووفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن واردات مصر من السلع الاستهلاكية غير المعمرة، تضمنت أبقارًا وجاموس حية بقيمة 36.336 مليون دولار ولحوم بقيمة 395.080 مليون دولار، وأسماك بما فيها أسماك محفوظة بقيمة 221.965 مليون دولار، وألبان ومنتجاتها بقيمة 210.822 مليون دولار، وعدس بقيمة 37.164 مليون دولار وتفاح طازج بـ 154.889 مليون دولار، وشاى بقيمة 85.787 مليون دولار، ودقيق قمح بقيمة 1.214 مليون دولار، وسكر مكرر بقيمة 5.015 مليون دولار، وأدوية ومستحضرات صيدلة بما يعادل 541.250 مليون دولار، وصابون ومستحضرات تنظيف بقيمة 45.039 مليون دولار.
وأوضح التقرير أنه تم استيراد مبيدات حشرية بقيمة 33.859 مليون دولار، ومحضرات لتغذية الحيوانات ومنها تغذية للقطط والكلاب بقيمة 52.435 مليون دولار خلال فترة من يناير، وحتى شهر أبريل الماضى، وتم استيراد ورق كرافت بقيمة 43.795 مليون دولار وأحذية ونعال 43.560 مليون دولار، ولعب أطفال بـ 24.712 مليون دولار، وفول عريض وفول صغير بقيمة 124.448 مليون دولار ، وزيوت مكرره بقيمة 226.619 مليون دولار.
واستوردت مصر خلال أربعة أشهر فقط خلال العام الماضي، دبابيس شعر وملاقط ومشابك ولفافات لتمويج الشعر وتجعيده بـ 5.6 مليون جنيه، إضافة إلى استيراد أمشاط الشعر ومثبتات بـ 7.8 مليون جنيه، إضافة إلى استيراد عطور ومواد تجميل بـ 17 مليون جنيه.
ووصل الارتفاع في واردات عربات السيارات للاستعمالات الخاصة إلى 200 %، وبلغت واردات الأبواب والدعامات والمنشأت من حديد أو صلب خلال الفترة من “يناير إلى مايو2016” نحو 795.5 مليون جنيه في مقابل 351.2 مليون جنيه خلال نفس الفترة من 2015 بارتفاع 126.5%، كما ارتفعت وارداتها خلال مايو الماضي لتسجل 173.4 مليون جنيه في مقابل 85.3 مليون جنيه خلال الشهر نفسه من 2015.
وزادت واردات أدوات وأجهزة للطب والجراحة بنسبة 21.1% خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الماضي لتسجل نحو 1.2 مليار جنيه في مقابل 1.1 مليار جنيه خلال نفس الفترة من 2015، بينما انخفضت وارداتها خلال مايو الماضي لتسجل 204 مليون جنيه في مقابل 299 مليون جنيه خلال مايو 2015.
وارتفعت واردات المحركات والمولدات والمحركات الكهربائية خلال الفترة من “يناير- مايو 2016″ لتسجل 2.3 مليار جنيه، في مقابل 1.9 مليار جنيه خلال نفس الفترة من 2015 بارتفاع 21%، كما زادت وارداتها خلال شهر مايو الماضي لتسجل 490.9 مليون جنيه في مقابل 481.7 مليون جنيه خلال مايو 2015، وارتفعت واردات أجهزة تليفون للأفراد خلال الـ 5 أشهر من العام الماضي لتسجل 2.5 مليار جنيه، فى مقابل 2 مليار جنيه خلال نفس الفترة من 2015 بزيادة قدرها 5.8%.
وزادت واردات الأثاث والمقاعد وحوامل الفرش لتسجل 662.7 مليون جنيه خلال الفترة من يناير- مايو 2016، في مقابل 551 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي بزيادة 11.2%.
ويرى المهندس طارق زيدان، خبير تطوير وإدارة المشروعات، أنه رغم أن مصر تمتلك نحو 13.2 مليون فدان مائي موزع على البحيرات ونهر النيل والبحر الأبيض المتوسط والأحمر، فإنها الأولي عالميًا في استيراد الأسماك المجمدة من أنواع الهارينج والماكريل والسردين والباسا.
وأضاف في تصريحات لـ”مصر فايف” أن مصر تصدر إلى دول العالم الأسماك عالية القيمة مثل القاروص والدنيس والوقار، وبلغت فاتورة استيراد تلك الأسماك نحو 385 مليون دولار، وفقا لاحصائيات 2010، على الرغم من وجود 200 مصنع لأسماك الهارينج في مصر، ولكن لا يتم الاعتماد عليها، حيث أن 80% منها تعمل بشكل بدائي.
وأكد زيدان أن على الدولة القيام بتطوير المصانع من خلال تدريب العاملين فيها، وإمدادها بالأجهزة والمعدات الحديثة، لإنتاج سمك الهارينج المدخن مصريًا 100% والقيام بتصديره، واستغلاله بدلًا من إستيراده من الخارج، في حين يبلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسماك مليون و481 ألف و882 طن سنويًا، وفقًا لاحصائيات وزارة الزراعة بداية العام الحالي.
وشدد على ضرورة تشجيع تلك الصناعات، لتستطيع المنافسة عند تصديرها، مما يساهم في سد الفجوة الغذائية في مصر؛ وتوفير فرص عمل للشباب وخفض الضغط علي الواردات، وفتح آفاق جديدة للتصدير لزيادة الاحتياطي الأجنبي.
وأكد أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، لـ”مصر فايف” أنه لا توجد سلع نستوردها ولها بديل في مصر فأي سلعة نستوردها بها نقص في السوق المصري، فإذا كان لدينا بديل لأي سلعة يكفي الاحتياجات لن نقوم باستيرادها، ويشير “شيحة” إلى أن البعض قد يتحدث بمعلومات غير مدروسة مثل تصدير مصر للسكر وذلك لم يحدث من قبل، وكذلك الاكتفاء الذاتي من الزيوت وهذا أيضًا صعب، نظرًا لأن شجر النخيل يحتاج إلى درجة حرارة معينة ليتم زراعتها، وهذا غير متوفر في مناخ مصر، وهذا يحدث في كل دول العالم فلا توجد دولة تزرع وتصنع كل شيء، ولكن مشكلتنا في مصر تكمن في العشوائية في الزراعة والاستيراد، فلا نستطيع تحديد ما يمكن زراعته وما يمكن استيراده، فالعشوائية سبب الأزمات.
ويرى الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، حيث أن قلة الموارد في مصر، هو سبب ارتفاع الوارادت، فالموارد المتاحة تكفي احتياجات 20 مليون نسمة، وقبل ثورة 1952 كانت مواردنا من الزراعة والمياه تكفي 20 مليون فرد، في حين وصل عدد سكان مصر إلى 91 مليون نسمة، بما يعني صعوبة تحقيق اكتفاء ذاتي من السلع.
ويشير “الشريف” إلى أن زيادة الاستيراد ترجع لشراهة الاستهلاك، فنحن نستهلك أكثر مما ننتج، فحتى شهر الصيام نستهلك أكثر من الأيام العادية، وبالتالي نحن في حاجة لعلاج نفسي، فنحن نتعدى المعدلات العالمية في الاستهلاك بالنسبة للفرد الواحد.
وأضاف أن مواردنا قليلة جدًا وعكس ذلك فنحن نكذب على أنفسنا حينما نتحدث عن كثرة الموارد لدينا، في الوقت الذي يزداد النمو السكاني بمعدل 2.4 مليون نسمة سنويًا، وليس معنى وجود مياه وشواطئ أنها صالحة للصيد، ويمكن تعويض ذلك النقص وعدم اللجوء للاستيراد في حال توفر تكنولوجيا عالية جدًا، وهو ليس موجودا في مصر، فالشعب المصري يستهلك ما ينتجه الآخرون فقط.