معلوم أن الجرائد أساتذة قائمة بتهذيب الأمم، وبث ما لم يعلم من أخبارها ونشر ما خفى من فنونها وآثارها، وعليها آثار الأعمال السياسية وتقدم الأحوال المعاشية فهي حياة الأمة العلمية، ومادتها الأدبية، تبشر وتذكر، وتنذر وتحذر، وتحدث عم الحوادث الواقعة، وتقدم لك موائد الفوائد النافعة، فتهديك إلى منافع كنت بها خفيا، وتبدي لك ما كان عنك خفيا، وتهدي طرائف الأخبار وظرائف الأسمار، وتكفيك مؤونة الاستخبار، وكلفة السؤال والاستفسار، وكأنها مجاميع متفرقة، وينابيع متفدقة، أو سفن مشحونة الأقوال، أو قوافل محملة أخبارا عن الأحوال فهي ألسنة الأمم وترجمان الملوك وجهينة الأخبار، وخزينة ذخائر الأفكار وصقيل الأذهان، ومرآة حوادث الزمان، والسائح الذي يطوف البلاد ويأتيك بأخبار العباد، وأنت لا تبرح من مكانك، فهي للرئيس موقظة، وللمرؤس موعظة، وللتجار سوق بضائع، وللصناع معرض صنائع، وللشاري دلال، وللمدعي استدلال، ولأرباب الأقلام إعلان وإعلام، وللمؤرخين مجمع وقائع وأخبار، وللجغرافيين استكشاف خطط وآثار .
وبالجملة يكون الإنسان بها مطلعا على وقائع مصيره، عارفا بما تجدد بين بني عصره، من حوادث الزمان، وعجائب عالم الأمكان وما هو صائر في الممالك المتمدينة، ودائر بين الملوك المتمكنة، وما جار بين الدول المتفقة، والملل المتفرقة، من عهود تجدد وشروط تؤكد، وآثار تغير، وصعاب تيسر، وما ينهم من نزاع ومقاتلة وخداع ومخاتلة، وسكون وهدنة، وما حدث في أحوال التجارة، وأمور السياسة والإدارة، وما أبدته فحول العقلاء في مجامعها، وما أسدته عقول النبلاء من بدائعها، وما ظهر من رائع الصنائع وعوارف المعارف، وطرائف اللطائف، ويكون كأنما طاف مشارق الأرض ومغاربها، وجرب جميع الأمور ودرى عواقبها، فلا تكاد تنزل بساحته حادثة إلا وقد أحاط علمه بنظيرها، وعرف غاية مصيرها .