يحتفل جوجل اليوم على صفحته الأولى بذكرى ميلاد درية شفيق الشهيرة بلقب “بنت النيل”. فمن هي درية شفيق؟ وما هذا الكم من البلبلة الذي أثارته هذه الشخصية في التاريخ المصري؟
نبذة مختصرة عن ميلاد ونشأة درية شفيق
ولدت في 14 ديسمبر/كانون الأول 1908 في مدينة طنطا. درست في مدرسة البعثة الفرنسية في طنطا وتشربت الحياة الأوروبية في وقت مبكر، ولمست فيها حرية المرأة الكاملة بدون قيود. لذلك كانت درية شفيق من أوائل من تم ترشيحهن في أول فوج رسمي للطالبات للدراسة في جامعة السوربون في فرنسا، بمنحة من، وتحت رعاية وإشراف وزارة المعارف المصرية.
أنهت دراستها في فرنسًا برسالة الدكتوراة وكان موضوع الرسالة “المرأة في الإسلام” أثبتت فيها أن حقوق المرأة في التشريع الإسلامي أكثر من أي تشريع آخر. عادت درية شفيق من فرنسا تحلم بمنصب تعليمي في جامعة القاهرة، ولكن عميد كلية الآداب جامعة القاهرة رفض تعيينها كأستاذة في الكلية، بمزاعم غير واضة في أنها: امرأة.
درية شفيق ورحلة بنت النيل
وعلى الرغم من مواساة الأميرة شويكار لها برئاسة تحرير مجلة المرأة الجديدة، إلا أنها لم تستمر طويلا فيها، لتنشيء مجلتها الخاصة “مجلة بنت النيل”. حرصت درية شفيق في مجلة بنت النيل على إدخال نمط الحياة الأوروبي المتحرر ودعمه فكريًا وثقافيًا، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من المحافظين، لما تقدمه من مخالفات صريحة لتعاليم الشريعة الإسلامية في المجتمع المصري حينئذ.
مجلة بنت النيل في الأساس تم طرحها لعلاج ضعف ثقافة المرأة المصرية، وانعزالها النسبي في البيئة المصرية المنغلقة، وعرض أنماط الحياة الأوروبية، وكيف تحيا الفتاة في أوروبا علميًا، وثقافيًا، ومعيشيًا، وسياسيًان ووضعها في المجتمع، وكذا الأمور الخاصة بالأزياء والموضة، .. الخ.
ارتبطت درية شفيق بلقب “بنت النيل”، ليس فقط لأجل المجلة، ولكن لأنها قامت بإطلاق حركة لتحرير المرأة بالكامل سُميت أيضًا “اتحاد بنت النيل”. حتى بعد قيام ثورة يوليو 1952 تقدمت بطلب إلى الحكومة المصرية الجديدة بتحويل “اتحاد بنت النيل” إلى حزب سياسي، فوافقت الحكومة المصرية، وكان أول حزب نسائي سياسي في تاريخ مصر الحديثة.
درية شفيق ودعاوى التغريب
في كتابه الضخم “أعلام وأقزام في ميزان الإسلام” سرد الدكتور سيد حسين العفاني قائمة طويلة للغاية بأسماء شخصيات مشهورة ومعروفة تاريخيًا بميلها إلى الغرب، ودعاوى التغريب، ومن ضمنهم أفرد فصلاً كاملًا لدرية شفيق كاشفًا الكثير من الغموض حولها.
فأشار بداية إلى سفور الفتاة الريفية المبالغ فيه، وسفرها إلى فرنسا وحدها، وعودتها بشهادة الدكتوراة، وأوضح أن سر رفض الجامعة تعيينها ليس بسبب كونها امرأة – كما أوضحت المصادر الأخرى – ولكن بسبب كونها إحدى داعيات التغريب في المجتمع المصري، وإذا قبلتها الجامعة كطالبة – على مضض – فمن المستحيل أن تقبلها كمدرسة تبث سمومها في عقول أبناءنا.
هذا بالإضافة إلى جولاتها العالمية وتأييدها غير المباشر للحركات الصهيونية المعادية في فلسطين، وشبهة تمويلها ماديًا من الحكومة البريطانية والأمريكية، لإنشاء المجلات والصحف التي تخلخل القيم ذات الأصول الإسلامية بين نساء وفتيات الشعب المصري.
ثم أشار دكتور العفاني إلى التحول المادي المفاجيء الذي صار في حياتها الشخصية، من مستوى معيشي وأدوات ترف، وحرية حركة سياسية واجتماعية، وإنشاء مجلات نسائية تبث أفكارها المنحرفة فيها، إلى آخره.
ثم ذكر اقتباسًا من حديث لها مع مراسل أحد الجرائد فقال:
“إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق: منح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر” وتقول: “إن الطلاق في مصر بوضعه الحالي أمر يسير جدًا، فالزوج المسلم له الحق في أن يطلق زوجته بمجرد قوله: أنت طالق، أما فيما يتعلق بتعدد الزوجات، فإنه لا يزال شائعًا بين الطبقات الفقيرة”.
الكتاب بداية من الصفحة 141 وحتى 153 يتحدث بالتفصيل عن تحركات درية شفيق الهادفة إلى تدمير وحدة وثبات الأسرة المصرية ذات الطابع الإسلامي الأصيل بدعاوى التغريب. ذكر دكتور العفاني في كتابه الكثير من الحقائق، وأسماء زعماء قاوموا مثل تلك الحركات مثل الزعيم مصطفى كامل الذي نادي برفضه الكامل لدعاوى التقليد الأعمى للغرب.
وتحدث عن جهود الأستاذ أنور الجندي ضد دعاوى التغريب بتحليلاته الشيقة وأسلوبه التحليلي المميز في كشف الغطاء عن الكثير من الدعاوى البراقة في ظاهرها، الفاسدة في مضمونها.
وفي ظل كل هذه الأخبار تجد جوجل يحتفل بذكرى ميلادها ليضيف علامة استفهام لدى الكثيرين في حقيقة هذه الشخصية وطبيعة نواياها ناحية المجتمع المصري.
النهاية المؤسفة لدرية شفيق
كانت النهاية درامية نوعًا، فقد توفيت درية شفيق نتيجة سقوطها من شرفة منزلها في حي الزمالك، وهناك شبهة انتحار في الأمر، غير أنها غير مؤكدة. يقول داعموها، أنها انتحرت بعد عزلة تامة استمرت 18 عامًا من الوحدة، ولكن لا توجد مصادر قوية داعمة لهذا الرأي.
توفيت درية شفيق يوم 20 سبتمبر/أيلول عام 1975 عن عمر يناهز 66 عامًا.