إن أفضل ما استدل عليه الخلف على أعمال السلف، الآثار المصرية التي هي من أهم العاديات فائدة وأعمها نفعا من جهة العلوم والفنون .
فإنها ترشد إلى الوقوف على فن التاريخ وتهدي إلى قديم عهد الأمة المصرية وما لها من الذخائر التي انتفع بها من بعدها وما وضعته من الأساس الذي انبنى عليه التقدم لمن تأخر عنها، فقد كان لها اليد الطولى على أهل القرون الأولى، يشهد بذلك ما بقي بعدها من الآثار وما نقل عنها في كتب الأخبار من الأبنية الجليلة والصنائع الجميلة، فان ذلك يعرب عن مزيد قدرتها وشدة مهارتها وعلو أفكارها .
هذه الأهرام من الآثار الجليلة التي جعلها المصريون محلا لمعارفهم، وأثرا يستدل به من أتى بعدهم من الأمم على ما كان لهم من الأبهة والفخار والعظمة والاعتبار، فهو أثر يدل بصورته وشكله على قدر ما وصلوا إليه من العلوم الهندسية وعلم جر الأثقال وفنون أنواع العمارة، ويدل بوضعه الذي هو عليه وتوجيه زواياه على أنه أثر فاكي تعين به الجهات وتعرف الفصول والانتقالات، فالمصريون كانوا بالغين النهاية في الفنون الهندسية .
وكل من دخل أرض مصر وتأمل ما بقي فيها من الآثار التي هي من أغرب العجائب يقف متحيرا ويطرق متفكرا، فلذا اعتنت الحكومة المصرية بشأن تلك الآثار والحرص عليها وحفظها من أن تتولاها يد التلف والضياع أو يعتريها التغيير والتبديل .