تظهر الآن الكثير من ردود الأفعال في الأوساط المصرية، بشأن إمكانية عودة “مبارك” ونظامه المهربة في سويسرا، من عدمه، خاصةً بعد تصريحات النائب العام السويسري، التي صرح بها خلال لقائه بنظيره المصري أمس بالقاهرة.
كان النائب العام السويسري، قد أقر بوجود أموال مهربة لمبارك وأسرته في سويسرا، كان عدم وجود أحكام قضائية بحق مبارك في الفترة الماضية عائقاً أمام استرداد تلك الأموال، والتي تقدر حسب كلامه بمبلغ 590 مليون فرانك.
وفي أحدث تعليق على تلك التصريحات، تحدث الكاتب الصحفي والسياسي “عبدالحليم قنديل”، عن عدم إمكانية استعادة الأموال المهربة، واصفها “بالفشنك”.
وتابع أن “مبارك”، لم يتم التحقيق معه بشأن الأموال المهربة، إلا بعد شهرين من تنحيه، بعد نشر صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن تهريب مبارك لأكثر من 70 مليار دولار خارج البلاد، مدة كانت كفيلة بتهريب “مبارك” ونظامه للأموال خارج البلاد.
موضحاً أن أحد القيادات العسكرية قد تعهد “لمبارك”، بعد محاسبته هو وعائلته، بضغوط من ملك عربي تعهد بإستضافته على تهريبه خارج “مصر”.
خاتماً أن الحديث عن عودة الأموال المهربة هو عملية “نصب”، لحصول “مبارك” على البراءة في جميع القضايا هو ورموزه، مثل قضية تصدير الغاز لإسرائيل وبراءة حسين سالم وسامح فهمي.
وقفوهم إنهم مسؤولون
حسين بن سعد الحسنية
بسم الله الرحمن الرحيم
توجيه من الرب عز وجل لملائكته الأطهار ، في ذلك اليوم المهيب والموقف العظيم والخطب الجسيم ، اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين مقامهم واحد وقلوبهم واجفة وأبصارهم شاخصة الجميع ينتظر ماذا يقال له ؟ وعن أي شي سيسأل؟ وبماذا سيجيب ؟وما هي تبريراته وأعذاره التي قد تكون له منجى وملاذ من عذاب اليم؟
” وقفوهم إنهم مسؤولون”
عن مشاعرهم ، عن كلماتهم , عن أمانتهم ،عن أبنائهم ، عن أرحامهم ، عم أموالهم ، عن مجتمعاتهم ، عن دينهم .
” وقفوهم إنهم مسؤولون”
عن زلاتهم وغدراتهم ، عن أخطائهم وفجراتهم، عن خلواتهم وجلواتهم .
” وقفوهم إنهم مسؤولون”
عن تجبرهم وطغيانهم، عن بغيهم وفسادهم ، عن ظلمهم لرعاياهم ، وعن عبثهم في بلدانهم .
” وقفوهم إنهم مسؤولون ”
لأن المسؤولية أمانة ، وعدم القيام بها حق القيام خيانة ، وهي يوم القيامة خزي وندامة
لقد خلقنا الله وعلا لعبادته وأوجدنا لتوحيده وقد حمّلنا أمانة الدين بعد أن أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها بل زاد الأمر أن أشفقن من حملها في إشارة إلى عظم شأنها وثقل حملها وبالنظر إلي نتائج ذلك الحمل العظيم وتبعاته ، فالجميع مسؤول أمام الحق تبارك وتعالى ، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كل في دائرة اختصاصه ، وفي إطار مهمته ، وحيز صلاحياته قال تعالى : ” فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ” ولن يقف أحد مهما كان خارج دائرة المسائلة قال تعالى :
” فوربك لنسألنهم أجمعين ” حتى الصادقين من عباد الله سيسألون ، قال تعالى” ليسأل الصادقين عن صدقهم ” وسيسأل أهل الأموال عن نفقاتهم قال تعالى ” واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ” والمؤودة تسأل من باب تأكيد شناعة الفعل ” وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ” ومن يعش في النعيم ويتقلب في حياة الترف والرغد سيسأل عن النعيم قال تعالى ” ثم ليسألن يومئذ عن النعيم ” وقد أخذ الله جل وعلا العهد على جميع مخلوقاته وأمرهم بالوفاء به وأنهم سيسألون عنه قال تعالى ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا” والعبد مسؤول أيضا عن ضبط جوارحه واستخدامها فيما يرضي الله تعالى قال تعالى ” إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ”
هل تأملت معي عظم ما تحمل يا عبد الله من مسؤوليات ومهام ، هل قدرت معنى المسؤولية الحقيقة في حياتك وهي الالتزام بطاعة ربك جل وعلا وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى عنه الله وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ألا ترى مما سمعت أن وقوفك سيطول في ذلك اليوم كلما زادت مساحة مسؤولياتك وعظم حجم أمانتك .
” وقفوهم إنهم مسؤولون”
السؤال أمر عظيم ، ونحن بحاجة فعلا لنعود إلى ما حملنا من مسؤوليات وأمانة ما دامت أقدامنا لن تزول حتى نسأل عن كل شيء في حياتنا ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفي ما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ”
وهنا دعوني بكل شفافية ووضوح أوجه هذا السؤال لكل مسؤول أيا كان ومهما كان حجم مسؤولياته ، للمسؤول الذي لم يراعي حق تلك المسؤوليات ولم يجتهد ويصبر في حمل ما حمله الله به
أين أنت من ربك جل وعلا ؟ أين مراقبتك له ؟واستشعار مراقبته لك ؟ لماذا انتهكت محارمة ؟ وتعديت حدوده ؟ وتماديت في عصيانه ومخالفة أمره ؟ ألا تعلم أن أعظم الخيانة خيانتك لربك جل وعلا ذلك أنها السبب الأول في خياناتك الأخرى مع ذاتك مع الآخرين ، قال تعالى :- ” علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ” البقرة 187 قال ابن قتيبة: أي تخونتها بالمعصية
كيف تبغي حماية الله لك وأمنه وأنت لم ترعى ما بينك وبينه ” إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور”
أيها الأب أيتها الأم أين عنايتكما بأبنائكم وبناتكم فيما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم لماذا جعلتموهم أسرى لأصدقاء السوء وقنوات الفساد وأعوان إبليس ، قال عليه الصلاة والسلام : ” ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ” رواه مسلم
أيها الأزواج : لماذا كل ما رأى أحدكم من صاحبه ما لا يوده ويرغبه تعدى على الحرام إما بنظر أو سمع أو فعل , أين مكانة كل واحد منكم في قلب الآخر ألا تعلم أن المودة إذا نزعت بين الزوجين تبقى الرحمة , بل لماذا كثرت الخيانات الزوجية والأسرية في المجتمع المسلم وانتشرت الفاحشة وكثر أولاد الخطيئة والله المستعان عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يتلمس عثراتهم ” رواة مسلم
أيها المعلم في فصلك والقدوة بين أقرانك والمربي في مجتمعك أين إخلاصك في بذلك للعلم وصناعتك للأجيال وأين صبرك على ذلك كله , اهتممت بالمعرفة وتركت التربية , حرصت على إيصال المعلومة ولم تأبه بتعديل السلوك ، ألا تعلم عن فضلك وفضل ما تحمل ، إن تحقيرك لدورك في مجتمعك هو من أسباب تقصيرك في دورك الهام في مجتمعك .
أيها التاجر وصاحب المال والعقار لولا فضل الله عليك ما عشت في دنياك هذا الغني ، فاحذر أن تخون أمانة الله التي استودعك إياها واعلم أن المال مال الله وليس لك من الفضل شيء حينما تسخره في أوجه الخير بل الفضل لله أولا وآخراً يوم أن هداك للبذل والإنفاق والصدقة والعطاء وإن رأى منك غير ذلك فاعلم أنه استدراج منه جل وعلا قال تعالى :- ” ولا يحسبن الذين كفروا… (أي كفروا بنعمة الله وجحدوا بها ) أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزادوا إثما ولهم عذاب مهين ” آل عمران 178
أيها العامل في معمله والموظف في مكتبه والأمين في مستودعه والمدير في إدارته والأمير في أمارته والملك في مملكته أين حرصكم على رعاياكم مع من قدمكم الله عليهم ؟ لماذا قدمتم مصالحكم على مصالح من ورائكم ؟ لماذا انتشرت الرشوة وتفشى الربا وأصبح من يريد شيئا هو له حق يفكر في إيجاد واسطته قبل أن يتحدث عن حقه له ، إن الخيانة إذا انتشرت في مجتمع أو كيان أو في أمة انتشر الباطل والغش والكذب والمجاملات الخادعة وخفت الحق وذل أصحابه وإذا انتشرت الخيانة في مجتمع زاد حجم الخسائر وقل منسوب الولاء وأصبحت لغة الحسد والبغض والكراهية هي اللغة السائدة على جميع اللغات , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله ” ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنة ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره” رواه البخاري، وعن أبي زرارة عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيام.. الحديث” رواة مسلم مخيطا عباد الله فماذا يقول من أخذ الأموال والسيارات والعقارات لله عز وجل .
ومن المهم أيضاً في موضوع الأمانة وسؤال الملك العلّام أن أشير على ضرورة أن يتخذ كل صاحب منصب في مجتمعه حوله من أهل العلم والحكمة والتجربة والمعرفة ليأنس بآرائهم ويأخذ بأشوارهم ويكونوا عونا له في الفتن والملمات وعلى تلك البطانة أن تكون أمينة صادقة راشدة الرأي والتوجيه فإن خيانة البطانة وبالها جسيم وقد تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم من بطانة السوء فقال : ” اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنا بئست البطانة ” رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
ولو أنا إذا متنا تركنا && لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنــا بعثنــا && ويسأل ربنا عن كل شـــيء
أيها القارئ الكريم
حينما يتحدث المتحدث عن أمر مذموم في المجتمع فلا يظن الظان أنه المقصود ، ولا تؤخذ الكلمات على غير مقاصدها ، وليس ذلك من باب اتهام الناس في نياتهم وأحوالهم ، ولا من باب الحكم بالشر على العموم أبداً فالخير في الأمة كثير وفيها من أهل الحق والرشاد ما يؤهلها لهذه الخيرية ولكن هي مجرد تساؤلات نضع من خلالها الدواء على موضع الألم علة يطيب بإذن الله تعالى , وهو اعتراف أيضا بأن الكمال ليس إلا لله تعالى , وأن النقص والخلل والخطأ من سنن البشرية وأن باب التوبة مفتوح لكل مذنب أذنب في حق ربه وفي حق نفسه وفي حق الآخرين .
وإذا حصلت الشرور والمفاسد في المجتمع المسلم وكثرت الأخطاء فعلى كل واحد من أفراده أن يكون جزءا من الحل لا جزاءاً من المشكلة ، فلنترفع عن اتهام بعضنا لبعض ونتعاون في المعالجة والحلول ، وان نجازي صاحب الإحسان بالإحسان ، وأن نواجه صاحب الخطأ بخطئه ،وأن لا نقف مكتوفي الأيدي حينما تواجه مجتمعنا فتنة أو مشكلة بل علينا المناصحة بالمعروف والدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة ولنعلم بأن صمتنا عن المنكر وتغافلنا عن الأخطاء التي تهدد مجتمعنا مما سنسأل عنه يوم القيامة