موضوع التعامل مع مريض التوحد عندما يكبر، والتحولات التي تظهر عليه، نتطرق إليه، بإذن الله على مصر فايف، لعله يحيي ضمير المجتمع تجاه هذه الفئة التي تقاسي في صمت رهيب، قساوة المرض وأحزانه من جهة، ونظرة المجتمع وردود أفعاله تجاههم من جهة أخرى.
تعد مرحلة البلوغ والمراهقة من أصعب مراحل عمر الطفل المريض بالتوحد، و أكثرها قساوة على الآباء، الذين يجدون تحديا جديدا يتمثل في مواجهات ابنهم مع المجتمع الذي لا يعذر أفعال المراهق، و ما يعيشه من تغييرات جسدية وفيسيولوجية، لها دور كبير التأثير على قراراته و أفعاله، خصوصا تلك التغيرات المرتبطة بنمو سماته الجنسية، التي تهيج غرائزه. مجتمع لا يفهم معاناة المراهق المريض بالتوحد مع عجزه عن تعلم قوانين التواصل، و ربط العلاقات الاجتماعية، التي من شأنها أن تؤهله للاختلاط والانصهار مع المجتمع. ليس بإرادته اختار الميل نحو العنف والتمرد على قوانين ومعايير المجتمع.
نتعرف معا على أعراض و سلوك مرض التوحد لدى الصغار، ثم التغيرات التي تطرأ معه عندما يكبر، وبعض الخطوات والتدابير الكفيلة بمساعدته على عيش حياته على نحو أفضل.
أعراض التوحد لدى الصغار
للتوحد لدى الأطفال أعراض تندرج تحت ثلاث محاور رئيسية، و تتمثل في غياب المهارات الاجتماعية، اضطرابات سلوكية،ثم مشاكل على مستوى التواصل والتفاعل. وقد اختصرناها في النقاط التالية :
الطفل المتوحد غالبا :
- يكون مستواه في الذكاء متدنيا، ما يجعله يجد صعوبة في تعلم المهارات الحياتية اليومية، مثل الكلام، الاهتمام،الشعور …
- يحتاج دائما إلى رعاية من ولي أمره، فهو يفتقد إلى الاستقلالية و الاعتماد على النفس في تدبير أموره اليومية، كالدخول لدورة المياه، وقضاء حاجته بالشكل الصحيح، ارتداء ملابسه الخارجية والداخلية.
- حيث أن الطفل المريض بالتوحد لا يستطيع التحدث مع الناس ومجاراتهم، فهو يتجاهلهم، وقد يكون مهتما بهم.
- يتحدث بنبرة غريبة تكون أقرب إلى نبرة إنسان آلي. ما يجعله ينعزل بنفسه، غير مبال بغيره. كما ينزعج عند لمسه أو معانقته.
- يتجنب النظر في أعين الناس، ويواجه صعوبة في الإفصاح لهم عن مشاعره الخاصة، ولا يملك مهارات التعبير الجسدي، كما لا يفهم بدوره مشاعر الآخرين مثل (تعبيرات الوجوه، لغة الجسد أو نبرة الصوت )
- يعجز عن التمييز بين الأفعال الجدية والساخرة و المضحكة…
- يخلط بين الضمائر على سبيل المثال (يضع هو بدل أنا..أو أنت بدل هي …).
لا يستجيب عندما يتحدث الناس إليه أو ينادونه بإسمه، في حين يتجاوب مع أدق الأصوات والتفاصيل الأخرى والتي قد لا ينتبه إليها الآخرون. - لا يبدي الإهتمام بالأشياء الموجودة حوله، ولا يتفاعل معها حتى عندما يشير إليها شخص ما. (على سبيل المثال ، لا يهتم بطائرة تحلق فوقه رأسه …)
- يفقد المهارات التي اكتسبها من قبل، ولا يستطيع أن يحافظ عليها (على سبيل المثال يتوقف عن قول الكلمات التي كان ينطق بها، أو فعل الحركات التي كان يقوم بها…)
- يواجه صعوبة في التعبير عن احتياجاته باستخدام الكلمات أو الحركات الطبيعية. ويكرر نفس الكلمات و العبارات الموجهة إليه، مرارا وتكرارا، بطريقة غير عادية، تكون أشبه إلى لغة مختلفة.
- لا يلعب ألعاب “التظاهر” المحببة لدى الأطفال (على سبيل المثال ، لا يتظاهر بـإطعام دمية، أو سياقة سيارة..)
- يواجه صعوبة أكبر في التكيف مع المحيط عندما يتغير الروتين، ويصدر ردود أفعال غريبة تجاه الأشياء التي يتذوقها أو يشمها أو يلمسها أو يسمعها.
- يقوم بحركات شادة وعنيفة، يمكن أن تكون مؤذية مثل الدوران المتكرر، الجري العنيف، القفز.
سلوك و أعراض مريض التوحد عندما يكبر:
مرحلة المراهقة:
أبرز ما تتميز به هذه المرحلة :
- نمو في البدن وطول القامة، زيادة الإدراك وباقي التغيرات المصاحبة للمراهقة.
- ظهور الاستقلالية الذاتية بشكل نسبي.
- ظهور الإثارة الجنسية لديه، واكتشاف أعضائه الحساسة، ولا يتردد في لمسها وقد يقوم بالنظر إليها، ولمسها بغرض المتعة، دون الاكتراث لمن حوله، وهذه الحركات عادة ما يقوم بها الأطفال، ولكن في سن حديث.
مرحلة النضج والكبر:
غالبا ما تتحسن حالة مريض التوحد بعد المراهقة، ورغم ذلك يمكن أن تستمر وتتحول إلى أمراض نفسية أخرى، في حال توفرت الظروف المساعدة على ذلك، (الجهل، الفقر، التهميش….).
تتمثل أعراض المريض بالتوحد لدى الكبار في:
- استمرار صعوبة التواصل مع الآخرين، والارتباك أمامهم، مما يجعله يبتعد عن المناسبات حيث تكتر التجمعات.
- غياب مهارة لغة الجسد، والتواصل البصري، وتعبيرات الوجه أثناء مقابلاته مع الآخرين.
- فقدان شغف الاستمتاع بالحياة، مريض التوحد لا يحب الأشياء الممتعة، كالسفر، الرياضة، الفن.
- البلادة وعدم استيعاب معاني الكلام، وتفسيره حرفيا.
- التوتر والاكتئاب.
- قسوة المشاعر و تأنيب الضمير.
كيف نتعامل مع مريض التوحد عندما يكبر
مريض التوحد قبل كل شيء يحتاج إلى اللطف به، و مساعدته على تقويم وإصلاح سلوكياته، بكل رفق دون إظهار الشفقة عليه. ولابد للإشارة أن مواجهة حركاته و أفعاله بالعنف لن تزيد الأمر سوى تعقيدا.
ونلخص هنا بعض الخطوات المساعدة :
- تعويد الطفل الدخول إلى الحمام بمفرده، وتعليمه طريقة الاستعمال الصحيح دون تدخل أو مساعدة من احد.
- تخصيص غرفة خاصة بالطفل، وتعويده أن ينام بمفرده.
- وضع قيود لاتصالاته بالعالم الافتراضي، التي من شأنها أن تجعله، يرغب في التقليد، والحرص على ارتدائه ملابس محتشمة متوافقة مع عمره، وساترة لعورته.
- ترغيبه في هواية ترفيهية، أو رياضة بدنية لشغل وقته، ومصاحبته أثناء زيارة العائلة.
- تعويده على تحمل المسؤولية، وذلك بتكليفه بالمساهمة في إنجاز بعض الأشغال اليومية الخاصة بالأسرة.
- جعله يرتدي ملابسه بنفسه، وتعويده المواظبة على الاستحمام بانتظام، و الاهتمام بمظهره ونظافة بدنه وملابسه بمفرده.
- توعيته وتعريفه بأعضاء جسمه الحساسة، وأنه لا يجوز لمسها وإظهارها أوعرضها على الآخرين، وذلك لتأهيله لاحترام قوانين وأخلاقيات الكون.
- تعويد الطفل على ترك باب الحمام مغلقا وقت قضاء حاجته، ورفع سرواله بعد الانتهاء، وغلق باب غرفته أثناء تغيير ملابسه.
- مراقبة أفعاله أثناء تواجده بدورة المياه، و طرق الباب عليه من حين لآخر قصد شغله و منعه من أداء أفعال وحركات غير لائقة.
يتعين على ولي أمر وأسرة المتوحد أن يكونوا مثالا وقدوة يقتدي بهم الطفل، في الالتزام، حيث لا يمكن أن نطبق عليه التزامات نخترقها نحن الأصحاء.
نسأل الله تعالى الشفاء للجميع.