هناك قاعدة أساسية يجب أن يفهمها الجميع .. هذه القاعدة هي: الأم هي التي تبني .. الأب هو الذي يضع اللمسة الأخيرة.
الأم هي التي تربي، وهي التي يجب أن تكون محط التركيز في الصفات الشخصية التي تعينها على هذه المسئولية، حتى تكون المخرَجات ناجحة.
قد يظن ظان أن هذا الحديث موجه للأمهات أو الفتيات المقبلات على الزواج فحسب، ولكنه يخص كذلك الرجل الذي يبحث عن زوجة تستطيع تربية أبناؤه، وإخراجهم رجالاً يفتخر بهم، ويكونوا ذي نفع لهما، ولدينهم ولمجتمعهم.
هذه الصفات ليست تنظير فلسفي سطحي، أو نصائح منقولة من موقع آخر، ولكنها تجربة شخصية كاملة من الألف إلى الياء أعطيكم خلاصتها في هذه الصفات الأساسية التي يجب أن تتوافر في الأم الناجحة.
1- يجب أن تكون الأم متدينة
والتدين هنا ليس بمعناه السطحي الهامشي المتمثل في إقامة الشعائر فحسب، كالصلاة والصوم، ولكن المقصود به فهم أهمية ووضع الدين في الحياة، وأن تكون صحيحة العقيدة، حافظة لآي القرآن، مطبقة لما استطاعت من سنة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – يظهر عليها بوضوح وجلاء شعائر الدين، فيراها من يراها ويعلم أنها ملتزمة، فاهمة لدينها.
أن تكون الأم متدينة ليس اختيارًا هامشيًا، يُعامل معاملة الصفات والمواصفات العامة، فلا تساوي بين الدين، وبين أن أم أولادك مثلا يجب أن تكون خريجة جامعية .. هناك بون شاسع بين هذين الاختيارين.
الدين هو الكتالوج الذي ستضطر الأم إلى العودة إليه بين الفينة والفينة لمعرفة الإرشادات التي تسير عليها قبل أن تجتهد. لذا يجب على الزوج أن يتأكد من درجة تدين فتاة أحلامه، وفقهها في الدين، وكذلك يجب على الأم – بدءًا من الآن – أن تبدأ في تصفح أساسيات الدين من عقيدة وعبادات وأخلاق ومعاملات، من مصادر سهلة مختصرة، بأمثلة واقعية تناسب عصرنا، قابلة للتطبيق.
2- يجب أن تكون قوية الشخصية
الأم الضعيفة غالبًا ما يتلاعب بها أبنائها كالبالونة بأيديهم، أو قل إن شئت كالكرة بأقدامهم. شخصية الأم عامل أساسي للغاية في تربية الأبناء، ونستطيع أن تلمس سلوكيات من تعرفهم بالنظر إلى أمهاتهم، وكيف يتعاملون مع أبنائهن، وكيف يتعامل معهم أبنائهن.
قد يغلب الحنان على شخصية الأم، فتخشى على الأبناء في كل صغيرة وكبيرة، وتظن أن الشدة مرفوضة رفضًا كليًا، حتى لا تخسرهم .. وهذا أكبر خطأ.
الشدة المفرطة في التربية هي التي تضيع الأبناء، ولكن الشدة المحسوبة المغموسة بالرعاية، والمتبوعة بالحنان هي المطلوبة.
فالأم قد تضطر لضرب ولدها بحزم على خطأه (بعثر لعبه)، ولكنها هي نفسها التي تصحح مسار هذا الخطأ أو ترشده إلى الطريقة التي يصلح بها خطأه (اجمع لعبك في صندوق اللعب)، ثم تكافأه على نجاحه في الالتزام بالطريق (حينما تجد اللعب دائمًا في الصندوق بعد الانتهاء من اللعب).
الأم قد ترفض طلب لولدها بإصرار (أريد الذهاب معك إلى جدتي)، عقابًا له على خطأه (لماذا لم تنتهي من واجباتك) ولكنها في نفس الوقت تكافأه عندما يتجاوز مرحلة الخطأ إلى الصواب (ستأتي معي إلى جدتك المرة القادمة).
القصد هنا هو الحزم عند اتخاذ القرار مع الأبناء، وعدم الرجوع فيه إلا للحاجة الملحة، وبضغط من طرف خارجي (الأب أو الأجداد).
3- يجب أن يكون لديها بعض من الفقه التربوي
نعم .. الدين أساس، وقوة الشخصية عامل محوري، ولكن هذين العنصرين من الممكن أن يكونا وبالاً على تنشئة الأبناء إن لم تستطع الأم استغلالهما ووضعهما في المكان الصحيح في التوقيت الصحيح.
المقصود بـ (الفقه التربوي) هو أن تحسن اختيار الأوقات التي فيها تكون شديدة أو لينة، قاسية أو حنونة، تعاقبي أو تتجاوزي، وهكذا .. المقصود به: التوازن في المعاملة، وهو نوع من الحكمة.
الفقه التربوي هنا يساعدك على فهم سلوكيات الأبناء تجاه حدث معين، وكيفية التعامل مع الحدث في هذا الوقت بالتحديد.
فعلى سبيل المثال قد تكون الحدث واحد، مثل: الإبن لا يذاكر.
الحكمة تقتضي أن تعاقبيه بشدة وتعنِّفيه في مرة، وفي المرة الأخرى تخففي وتأخذيه في نزهة خارج المنزل.
ففي المرة الأولى: الابن لا يذاكر كسلاً، وإهمالاً، وحبًا في اللهو … هنا يتوجب العقاب والشدة، وإرغامه على الالتزام.
أما في المرة الثانية: فقد يكون الابن لا يذاكر لأنه يشعر بالملل، أو لأن حالته النفسية سيئة، أو لأنه قضى وقت طويل في المذاكرة فشعر أن مخه تجمد من كثرة المعلومات .. في هذه الحالة من كمال الحكمة ألا تعاقبيه على ترك المذاكرة، بل يجب عليكِ أن ترفهي عنه، وتأخذيه في نزهة، أو أن تدعيه يفعل ما يحلو له بعيدًا عن المذاكرة.
إجبار الابن على المذاكرة في هذا التوقيت قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وقد يتظاهر بالمذاكرة طاعة لك، بينما عقله في مكان آخر.
من واقع تجربتي، هذه هي الصفات التي أرى أنه يجب توافرها في الأم .. المقال موجه للفتاة التي لم تتزوج بعد، وللأم التي تزوجت ولديها أبناء أو تنتظر مولود، وللشاب المقدم على الزواج حتى يُحسن اختيار من تعني له بأبنائه.
إذا رأيت – رأيتِ – أن هناك صفات أخرى أساسية يجب توافرها في الأم، برجاء مشاركتها في التعليقات.