فى إحدى القرى المصرية النائية يعانى أهلها من سوء الخدمات ابتداء من مياه الشرب وحتى الكهرباء وعدم تواجد وحدة صحية لاغاثة المرضى , تجد معظم شبابها يهاجرون ليبحثوا عن أى عمل خارج قريتهم او محافظتهم , أتعبهم صمت المسؤولين تجاههم وإهمالهم , فأصبح معظمهم ينضم إلى هذه الفئة المطحونة فئة ” عمال الترحيلة “
ينتظرون على الأرصفة ويأتى إليهم المقاول لينحتوا شيئا أو يحملوا شيئا الى الأدوار العالية كالرمل والأسمنت وما شابه , عزم أحد هؤلاء العمال على الخروج من قريته عازما على أن يعود لينهض بها بعد حين فكان من أبنائه هذا الشاب :
عادل شاب فى العشرين من عمره تخرج من إحدى مدارس محافظته وسافر به والده ليعمل بواباً بالقاهرة ونجح والده فى تربيته حتى وصل إلى كلية الطب بجدارة عاقدا عليه أملاً كبيرا أن يعود إلى قريته الصغيرة يعالج أهلها من الأمراض , وبدأت رحلة عادل الجامعية ومع أول أيام العام الدراسى لوحظ على عادل الاهتمام البالغ بالدراسة حتى بدأ يتقرب إليه العديد من الشباب ليتعرفوا عليه , وبعد مرور أول عام بدأ عادل يخرج مع بعض أصحابه للتنزه تارة وللمذاكرة تارة أخرى , حتى جاء ذلك اليوم الذى تعرف فيه عادل على رامى ذلك الشاب الذى يبدو عليه الثراء فلديه سيارة فارهة ويعرفه كل شباب الجامعة وفتياتها , وبدأت رحلات عادل مع رامى حيث ذهبوا فى رحلة الى شرم الشيخ وبدأ عادل يتصل بوالده ويطمئنه انه متفوق فى الدراسة ولا ينسى والده فى آخر كل مكالمة أن يذكره بقريته الصغيرة وحاجة أهلها إلى عادل الطبيب , فيبتسم عادل ويقول : لن أنس يا والدى , بدأ عادل يتغيب عن الجامعة كثيرا , ثم تدرج به الحال حتى أصبح مدخنا للسجائر ثم المخدرات ثم مرافقة الفتيات ولم يعد يتصل بوالده او حتى يرد على مكالمته وبدأت رحلة الانتكاس من الالتزام والتفوق الى الرذائل والانحلال , وذات يوم دق جرس الباب فى السكن الذى أجره له والده واذا بعادل يفتح الباب فيجد إمرأة عجوز لا تكاد تستطيع ان تقف على قدميها : إنها والدته المريضة رأت عادل فى هيئة غير التى كان عليها , وأجهشت فى البكاء قائلة : مات والدك منذ ثلاثة أيام وكان يريد ان يراك ! مذا حدث لك يا عادل , هل جئنا بك لتكون هكذا ؟!
وكأن صخرة إنهارت على رأس عادل أيقظته من غفلته , ومر أمامه شريط ذكرياته مع والده منذ طفولته وسفره به الى القاهرة وقريتهم الصغيرة وأهلها .
ذهب عادل الى كليته فى اليوم التالى يبدوا عليه آثار الحزن والندم لا يتحدث مع أحد من أصحابه وقابل عميد كليته واعتذر عن غيابه الفترة الماضية ووعده بالاجتهاد , وانتظم فى الحضور وابتعد عن كل أصحاب السوء واضعا نصب عينيه تحقيق حلم والده , وبعد سنوات تخرج عادل وأصبح طبيبا وعاد مع والدته الى قريته ,, يحمل هم أهلها ويبذل قصارى جهده لنفع الناس بها لا ينشغل بالتفاهات ,
العجيب أنه لما عاد الى قريته وجد شبابها على الفيس بوك منتشرين وعلى تويتر مغردين وينادون بثورة الانترنت !
ياللعجب لا تجدون العيش والمياه النظيفة والخدمات الآدمية
وانشغلتم بسرعة الانترنت !
لم تفهم الحاجة نفيسة وهى إحدى أمهات شباب ثورة النت فى القرية ما يقصدون بثورة النت ولكنها كانت سعيدة بورق المنشورات لتستخدمه فى تعبئة الفلافل 🙂
عادل ليس قصة تُروى , ولكن كم منا كان عادل او لا يزال عادل وكم شاب منا هو رامى , وكم والد فينا مثل والد عادل , وكم شاب منا انشغل بالتراهات وأدخل نفسه فى متاهات دون جدوى له او لغيره !
وكم مرة كنت سبب فى اسعاد صديق وكم مرة كنت سببا فى تعاسته ؟!
وتذكروا : الصاحب ساحب إما لخير وإما لشر
حدد هدفك , وتخير السبل النافعة لتحقيقه وإياك ورفقاك السوء , فالمرء على دين خليله